783 مليون شخص واجهوا الجوع في عام 2022

وبسبب الجوع المتزايد، تدهورت أيضاً قدرة الناس في جميع أنحاء العالم على الوصول إلى النظم الغذائية الصحية، والمعلومة الأكثر إيلامًا هي أن أكثر من 3.1 مليارات شخص على مستوى العالم لم يستطيعوا تحمل تكاليف نظام غذائي صحي في عام 2021.

المدار السياسي السعودي في قمتي جدة

تعي السعودية والدول الخليجية ودول آسيا الوسطى، أهمية التزامهم جميعًا بتأسيس شراكة مستقبلية قوية وطموحة بين دولهم، بناءً على القيم والمصالح المشتركة والروابط التاريخية العميقة بين شعوبهم والتعاون القائم بينهم على المستويين الثنائي ومتعدد الأطراف، وفي شتى المجالات..

لماذا تُعظِّم السعودية صناعة استثماراتها الرياضية؟

أبرز ما ركزت عليه النتائج، هي أن القطاع الرياضي بشموليته يُعتبر أحد أبرز مناخات جذب الاستثمارات الخارجية للدول؛ لذلك وصفها كبار الاقتصاديين والمحللين الاستثماريين، بأنها صناعة كبيرة، وتجارة ضخمة واقتصاد مزدهر
في عام 2020 وقعتْ بين يدي دراسة متخصصة صادرة من مجلة علمية رياضية دولية مُحكمة، صادرة عن إحدى الجامعات الجزائرية، حملت عنوان “الاستثمار في القطاع الرياضي كآلية للتنويع الاقتصادي”، وتركزت بشكل رئيسي في إعطاء صورة أكثر وضوحًا لدور الاستثمار الرياضي في إنعاش الحركة الاقتصادية، وأيضا كآلية من آليات التنويع الاقتصادي، ومصدر آخر لتمويل الميزانية العمومية للدولة، فضلًا عن تأثيرها الإيجابي على كفاءة ومردودية النتائج الرياضية على مستوى الأندية والنخب والریاضیین. من خلال متابعتي للتقارير والتحليلات المتخصصة في الصناعة الرياضية المنشورة خلال العامين الماضيين، يمكنني التأكيد من أن أبرز ما ركزت عليه النتائج، هي أن القطاع الرياضي بشموليته يُعتبر أحد أبرز مناخات جذب الاستثمارات الخارجية للدول؛ لذلك وصفها كبار الاقتصاديين والمحللين الاستثماريين، بأنها صناعة كبيرة، وتجارة ضخمة واقتصاد مزدهر، فعلى سبيل المثال لا الحصر، من المتوقع أن تصل تقديرات حجم سوق إيرادات صناعة الرياضة ككل عالميًا بحلول 2030، إلى 826 مليار دولار. تنقسم السوق الرياضية إلى الرياضة التشاركية وهي التي تمارس من قبل الأفراد، كالجري أو الصيد أو لياقة الأجسام، ورياضة المتفرجين وهي الرياضة التي يتابعها الناس كمشاهدين ومتفرجين، ككرة القدم. ومع تتبع الأرقام المليارية في الصناعة الرياضية لكرة القدم، لم اتفاجأ بالقيمة السوقية لأغلى 10 أندية عالميًا التي بلغت 39 مليار دولار، في حين حظي 20 نادياً بصافي دخل تخطى 9.7 مليارات دولار في 2021، الأمر الذي دفع بمستثمرين أميركيين وآخرين غيرهم إلى التركيز بشكل أكبر على صناعة معشوقة الملايين. ماذا عن السعودية؟، تعي قيادتنا السياسية أهمية الاستثمار في القطاع الرياضي ككل، خاصة في لعبة كرة القدم، فمؤخرًا نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” عن مصادر لم تكشف عنهما، من أن المملكة تُخطط لإطلاق شركة استثمارية ضخمة في القطاع الرياضي، وبحسب الصحيفة البريطانية المتخصصة في عالم المال والأعمال، ستكون الشركة تابعة لصندوق الاستثمارات العامة، وستعمل على إبرام المزيد من صفقات الاستحواذ في كرة القدم، والتنس والرياضات الأخرى، برأس مال يصل لمليارات الدولارات. ربما يطرح البعض سؤالًا مشروعًا: لماذا تهتم السعودية بتعظيم استثماراتها الرياضية؟ ولماذا أصبحت تحركاتها سريعة في اقتناص الفرص الاستثمارية في مختلف المجالات الرياضية؟، وحتى لا يكون الجواب “انطباعياً” أو “تعبيرًا”، أحيلكم إلى دراسة مهمة نشرتها شركة الاستشارات العالمية “ماكنزي” في يناير 2023، ذكرت فيها أن الرياضة من الصناعات المُحدودة التي نجحت في عامي 2021 و2022 من مواجهة تهديد الركود العالمي والحرب في أوروبا واستمرار تحديات سلسلة التوريد والارتفاع السريع في أسعار الفائدة، كما خلصت إلى أن صناعة السلع الرياضية تعتبر “محظوظة” بالمقارنة مع العديد من الصناعات الأخرى، حيث تميز العامان الماضيان بالنمو القوي أو التفوق على مستويات ما قبل وباء كوفيد-19. في المحصلة العامة، شهد القطاع الرياضي نهضة غير مسبوقة على صعيد الاستثمارات والعائدات التي تحققها التظاهرات الریاضیة المحلیة والدولية وعلى كل الأصناف والفئات؛ لمساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي للدولة، لكن ماذا يعني هذا؟، يعني ذلك أن النشاط الرياضي انتقل من مفهومه التقليدي من الاهتمام بالصحة البدنية للمجتمع والترفيه إلى قطاع قائم على اقتصاد السوق، فالاستثمارات الرياضية لم تعد سوقًا ناشئة -كما يعتقد البعض- بل صناعة متعاظمة وتجارة وأرباحاً أكثر من مجرد لعبة، وهو ما وعته بمنهجية وعمق المملكة التي رسمت خطاها منذ العامين الأخيرين، لذلك لم أتعجب مع تحركات السعودية لتعظيم صناعتها الرياضية، عن اعتزام بلادنا التعاون مع هيئات البث الدولية في عدة دول منها البرتغال والصين وإيطاليا، لبث الدوري السعودي في 30 سوقًا جديدًا؛ بهدف تعزيز متابعة الدوري، تزامنًا مع استقطاب أبرز نجوم كرة القدم العالميين..دمتم بخير.  

إدارة المنظومة المائية في الحج.. الدلالات والأبعاد الخدماتية

عملت المنظومة المائية المتكاملة الإلكترونية، على إدارة العمليات التشغيلية، ومتابعة حالة الشبكات ووفرة المياه في الخزانات التشغيلية والاستراتيجية، فضلًا عن التنبؤ بحالات الطوارئ قبل حدوثها لمعالجتها استباقيًا..
من الدلالات التي نفتخر بها كمواطنين سعوديين، هو أن الله -عزوجل- شرف هذه البلاد لخدمة ضيوف الرحمن، وهي من أجلّ النعم التي منحنا بها المولى -عزوجل-. وأهنئ قيادتنا وجميع الأجهزة المعنية بقطاع الحج من العسكرية إلى الأمنية والمدنية –من دون استثناء- بنجاح موسم حج 1444هـ، منطلقًا في ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم “لا يشكر الله من لا يشكر الناس”. وحتى لا يكون المقال انطباعيًا أو تعبيريًا، من المهم التوقف عند شكل ونوعية الخدمات التي قدمت خلال موسم حج 1444هـ، ليعلم الرأي العام الداخلي قبل الخارجي، المدى الذي وصلت له بلادنا في تحويل مسار خدمات الحج من عمل بيروقراطي إلى صناعة حقيقية، تهدف إلى راحة ضيوف الرحمن والتيسير عليهم لأداء هذه الشعيرة المقدسة التي تمثل لأغلبهم “رحلة الأحلام والعمر” بما يتوافق مع مستهدفات رؤية السعودية 2030، التي تعمل على تحسين رحلة الحج وإثرائها للحاج، وهو الهدف المركزي الذي انطلقت منه تطور الخدمات التي شهدناها هذا الموسم سواء المباشرة وغير المباشرة. لقربي من دائرة ما يعرف بـ”إعلام الحج” سأركز على إحدى الخدمات غير المباشرة، والتي لها خط تماس مباشر مع الحجيج، المتمثل في المياه، لكن هل تساءلنا عن أبرز تقنيات إدارة المياه التي تم تنفيذها خلال موسم حج هذا العام؛ لتغطية حاجة الحجيج من الاغتسال، والوضوء، والتنظيف، وإمدادات شبكة التبريد (المكيفات الصحراوية) بمشعر منى؟ كميات هائلة من المياه تضخ يوميًا، وبنى تحتية واسعة الانتشار، نجحت في الوصول إلى ملايين من الحجيج من ضيوف الرحمن؛ وذلك من خلال نجاح شركة المياه الوطنية في استخدام التقنيات الرقمية الحديثة لتنفيذ خطتها التشغيلية ومتابعة عمليات توزيع المياه في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، حيث عملت على إدارة منظومة الخدمات المائية والبيئية من خلال مركزي تحكم ومراقبة في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة يعملان على مدار الـ24 ساعة، لإدارة ومتابعة الخزن الاستراتيجي والتشغيلي ومنظومة التوزيع اليومية لمياه الشرب ونقاط استخدامها، وذلك باستخدام تقنيات ذكية للمراقبة والتحكم لإدارة وتشغيل منظومة المياه مع متابعة جودة المياه من خلال فحوصات مخبرية لحظية لمصادر المياه وشبكات التوزيع، وكذلك قياس مستويات الضغوط التشغيلية من خلال الحساسات الإلكترونية للمنظومة ومتابعتها عن بُعد في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة ومرافق المسجد الحرام، وذلك لتعزيز كفاءة عملياتها التشغيلية اليومية، وهو ما ضمن -بعد توفيق الله- استدامة الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن، وإخطار الفرق الميدانية بمعالجة المشكلة بشكل فوري. عملت المنظومة المائية المتكاملة الإلكترونية، على إدارة العمليات التشغيلية، ومتابعة حالة الشبكات ووفرة المياه في الخزانات التشغيلية والاستراتيجية، فضلًا عن التنبؤ بحالات الطوارئ قبل حدوثها لمعالجتها استباقيًا. ولرفع كفاءة شبكة المياه في المشاعر المقدسة والمناطق المركزية في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتقديم جودة الخدمة المقدمة لضيوف الرحمن، تم استخدام التقنيات الحديثة، لتحليل البيانات ومؤشرات الأداء، بكميات خزن استراتيجية وتشغيلية تصل إلى أكثر من 3 ملايين متر مربع. كلمة السر في المنظومة الرقمية المائية، تعود إلى نظام سكادا (SCADA) الذي يدار من خلال غرف المراقبة والتحكم، وهو متخصص في متابعة ضغوط المياه في الشبكات والخزانات بالمشاعر المقدسة ومكة المكرمة، ويهدف إلى تشغيل أهم مكونات منظومات المياه باستخدام تقنيات التحكم عن بعد مع قياس مناسيب المياه في الخزانات وجودة المياه فيها، وكذلك قياس كميات إمداد المياه، وقياس الضغوط في نقاط الاستهلاك العديدة، بإشراف كوادر وطنية مدربة.. دمتم بخير.  

مبادرة «طريق مكة».. هندسة سعودية للحج المُيسر

حققت مبادرة “طريق مكة” خلال السنوات القليلة الماضية نجاحات متوالية؛ لكونها برأيي تنطلق من هندسة معيارية في اختيار البلدان التي سيتم إدراجها في كل موسم، وهو لب النجاح بعد توفيق الله عز وجل؛ لأنها دراسة مستفيضة تجمع بين محددات معينة..
لطالما كانت خدمة حجاج بيت الله الحرام بالنسبة للسعودية إطارًا محوريًا يتجاوز المفهوم التقليدي من حيث أداء وتقديم الخدمات لضيوف الرحمن، إلى وعي قيمي يتشكل في تعاطي القيادة مع هذه الشعيرة المقدسة التي يفد إليها الحجيج من كل فج عميق، وهم يأملون أداء نسكهم بكل يسر وطمأنينة. منذ عقود والجهات المؤسسية المعنية بالحج تعمل باستمرار ومن دون توقف في كل ما من شأنه تيسير الأمور على ضيوف الرحمن، وهي نقطة غاية في الأهمية إذا ما أردنا إدراك تفاصيل ما تقوم به السعودية اليوم في هذا الاتجاه، حيث المعادلة التي تقوم عليها تتمحور بكل بساطة وعمق حيال تفاعلاتها حول السؤال التالي: كيف نستطيع أن نجعل من الحج رحلة إيمانية لا تنسى بالنسبة لضيوف الرحمن؟ وبناء على ذلك خرجت المبادرات التنفيذية تلو المبادرات، واجتمعت وتوحدت كافة القطاعات المعنية لدراسة التحديات وتذليل الصعوبات؛ لتقديم أقصى درجات الجودة الخدماتية لهذه الشعيرة المقدسة. من المبادرات التي أثبتت نجاحها المرحلي مبادرة “طريق مكة” والتي أطلقتها وزارة الداخلية وشركاؤها ضمن برنامج “خدمة ضيوف الرحمن”، أحد برامج رؤية السعودية 2030، وهي تهدف إلى استقبال ضيوف الرحمن، وإنهاء إجراءاتهم من بلدانهم بسهولة ويسر، بدءًا من إصدار التأشيرة إلكترونيًا، وأخذ الخصائص الحيوية، مرورًا بإنهاء إجراءات الجوازات في صالة المبادرة بمطار بلد المغادرة بعد التحقق من توفر الاشتراطات الصحية، إضافة إلى ترميز وفرز الأمتعة وفق ترتيبات النقل والسكن في المملكة العربية السعودية، بحيث ينتقلون مباشرة عند وصولهم إلى حافلات تقلهم إلى مقار إقامتهم في مكة المكرمة والمدينة المنورة، بمسارات مخصصة، في حين تتولى الجهات الخدمية إيصال أمتعتهم إلى مساكنهم. حققت مبادرة “طريق مكة” خلال السنوات القليلة الماضية نجاحات متوالية؛ لكونها برأيي تنطلق من هندسة معيارية في اختيار البلدان التي سيتم إدراجها في كل موسم، وهو لب النجاح بعد توفيق الله عز وجل؛ لأنها دراسة مستفيضة تجمع بين محددات معينة. في موسم حج 1444هـ سيتم تنفيذ المبادرة في سبع دول، هي: ماليزيا، وإندونيسيا، وباكستان، والمغرب، وبنغلاديش، وتركيا، وساحل العاج (كوت ديفوار)، وبمشاركة من وزارات “الخارجية والصحة والحج والعمرة” والهيئة العامة للطيران المدني وهيئة الزكاة والضريبة والجمارك، والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي “سدايا”، وبرنامج خدمة ضيوف الرحمن، والمديرية العامة للجوازات. وللاستذكار التاريخي فإن وزارة الداخلية بدأت بتنفيذ مبادرة “طريق مكة” في موسم حج 1439هـ بدولتي “ماليزيا وإندونيسيا”، وفي العام الذي يليه أدرجت خمس دول وهي: تونس وباكستان وبنغلاديش للمبادرة، وفي هذا العام انضمت المغرب إلى دول باكستان وماليزيا وأندونيسيا وبنغلاديش. وإذا أردت أن تعرف أبعاد هذه المبادرة التي تتجاوز “كاونترات” إنهاء الإجراءات في صالات مغادرة البلدان المدرجة، فما عليك سوى استعراض ما يقوم بنشره الحساب الرسمي لمبادرة “طريق مكة” على منصة تويتر (@MakkahRoute) الذي يعطي أي متابع صورة شاملة مسنودة بفيديوهات وصورة تظهر وجوه الحجيج وسعادتهم الغامرة من إنهاء الإجراءات حتى وصولهم إلى مقار سُكناهم بيسر وسهولة إلى مكة المكرمة أو المدينة المنورة.. دمتم بخير.  

كيف ينظرون إلى قيادتنا السياسية السعودية؟

علينا كرأي عام وطني أن نستوعب جيدًا أن ولي العهد يسعى من خلال التحركات الجيوسياسية هنا وهناك، إلى التأكيد على القوة الإقليمية للمملكة؛ وذلك من خلال استخدام مكانة بلادنا وتربعها على قمة عملاق الطاقة “النفط”..
هناك اهتمام متصاعد بالنظرة الإعلامية الغربية والأميركية والشرق أوسطية بالتحركات كافة التي تقوم بها القيادة السياسية السعودية في العديد من المحاور الإقليمية والدولية، وهو الأمر الذي أشارت إليه صراحة بعض المراصد البحثية عندما وصفت الحضور السعودية بالفاعل، وقدرة إدارته السياسية في بلادنا على توجيه الدفة في الوقت المناسب، بما يُحقق مصالح أمنها القومي الذي لا ينتهي عند الحدود الجغرافية التقليدية. في كتاباتي وتدويناتي المختلفة دائمًا ما أركز على العبارة التالية، وهي: “المملكة العربية السعودية ليست دولة طارئة، إنما دولة تستند إلى عمق سياسي متجذر لأكثر من 300 سنة”، ما معنى هذا السياق؟.. معنى ذلك أن حكومتنا اليوم بقيادة خادم الحرمين وولي العهد تعي جيدًا مفهوم “الواقعية السياسية”، وهي في الحقيقة نظرية مهمة مُترسخة في مدارس العلاقات الدولية، وقد كان التأصيل الحقيقي لهذه النظرية من خلال هانز مورجانثو في كتابه “السياسة بين الأمم”، حيث أرسى فيه أهم مقولات ومفاهيم هذه المدرسة. المقدمتان التأسيسيتان السابقتان كانتا مهمتين كمدخل لتقرير نشرته وكالة رويترز في الرابع والعشرين من مايو الجاري، وبرأيي أنه من المهم نقل بعض تصوراته للمشهد الوطني والإعلامي في المملكة العربية السعودية؛ لإعطاء مزيد من الجرعات التثقيفية التوعوية السياسية تجاه التحركات التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، هذا أولًا، أما ثانيًا فلتعميق فهمنا بالدور الذي تقوم به حكومتنا لتعزيز مصالح شعبها، ومنطقتنا الإقليمية على العموم، وإخراجها من عنق زجاجة التجاذبات والانقسامات السياسية، إلى مسار “الاستراتيجية التنموية”، حيث الكل رابح. السعودية ليست دولة جامدة، بل دولة قارئة وسباقة لفهم المتغيرات الدولية التي تتجه إلى تعددية الأقطاب، وهذا ما يظهر في الإشارات الاستهلالية التي قدمتها رويترز في تحليلها بشكل غير مباشر، وهو أن الأمير محمد بن سلمان يتحرك بسياسة بلاده وفق ما يعرف بـ”الحقائق الجيوسياسية”، وهذه نقطة مركزية لإعادة سورية إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، واستقبال الرئيس بشار الأسد في القمة العربية (الدورة 32) التي احتضنتها جدة، رغم الرفض والاعتراض الأميركي والأوروبي. علينا كرأي عام وطني أن نستوعب جيدًا أن ولي العهد، يسعى من خلال التحركات الجيوسياسية هنا وهناك، إلى التأكيد على القوة الإقليمية للمملكة العربية السعودية؛ وذلك من خلال استخدام مكانة بلادنا وتربعها على قمة عملاق الطاقة “النفط”. ومن النصوص المهمة التي أسردها بتصرف -على لسان رويترز- :” لقد ظهر الأمير محمد بن سلمان اليوم كلاعب لا يمكن لواشنطن تجاهله أو التنصل منه، ولكن يجب التعامل معه على أساس الندية، وبسبب تشككه –أي ولي العهد- من الوعود الأميركية بشأن الأمن السعودي، فإنه قام بخطوات ديناميكية نوعية، من خلال بناء علاقات مع القوى العالمية الأخرى، وإنه بغض النظر عن ذعر واشنطن، فهو يعيد بناء علاقاته مع خصومها المشتركين –في إشارة إلى روسيا والصين- وفق منطق المصالح المتبادلة، لا منطق التبعية”. يذهب تحليل رويترز –مع اختلافي مع بعض فقراته– إلى أن واشنطن بدت في السنوات الأخيرة أقل انخراطًا في الشرق الأوسط، وأقل تقبلًا لقلق الرياض من بعض الملفات، إلا أن الأمير محمد بن سلمان فرض سياسته الإقليمية الخاصة مع احترام أقل وضوحاً لآراء أقوى حليف للمملكة، وهي إشارة قوية للولايات المتحدة الأميركية بأننا نعيد تشكيل وإعادة رسم علاقاتنا من دونكم، فالأمن القومي الوطني هو الأساس في ذلك. ما أود ذكره هنا كمراقب للشأن السياسي السعودي، أنه عندما تتحرك القيادة السياسية في بلادنا لإغلاق بعض الملفات العالقة مع بعض الخصوم الإقليميين، فإن تحركاتها تنصب لتعزيز الأمن الإقليمي، وهو سياق متقدم جدًا عن مفهوم الدولة الوطنية المنحصرة على ذاتها الجغرافية التقليدية.. دمتم بخير.  

قمة جدة.. نظرة عميقة على التنمية المُستدامة

نلاحظ أن هناك رغبة جادة في التحول إلى تعظيم القوة العربية الإقليمية باستخدام الأدوات الناعمة لا الصلبة، وهذا ذكاء سياسي، وهو لب “قمة جدة” التي حرصت عليه القيادة السياسية السعودية – رئيسة الدورة الحالية – وهو ما حاز على اهتمام استثنائي عالمي سواء كان سياسيًا أو إعلاميًا..
كان من المهم بُعيد انتهاء أعمال القمة العربية للدورة الـ32 التي عُقدت نهاية الأسبوع الماضي، التركيز بعض الشيء على فهم توجهات بعض الأطراف العالمية الإعلامية ورؤيتها تجاه قمة جدة والمآلات التي ترتكز عليها، خاصة أن هذه الدورة تأتي في ظل ظروف استثنائية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. الصحافة الغربية عمومًا كانت على نقيضين تمامًا، من نظرتها للقمة قبل وبعد انتهاء أعمالها، فالدوافع السياسية للأنظمة الغربية تطابقت بشكل كبير مع منصاتها الإخبارية والتحليلية بشكل سلبي، ويمكن الإشارة إلى “الغارديان” البريطانية و”الواشنطن بوست” الأمريكية، وغيرهما الكثير. هذا السخط والغضب مفهوم تمامًا لعدم رغبتهم في رؤية تكامل عربي مُشترك، يُحقق رغبات الشعوب العربية، فضلًا عن امتلاك العرب لمقومات البقاء ومواجهة التحديات. لنكن صرحاء ومن دون مجاملات سياسية، فإن المملكة العربية السعودية تعي تمامًا طبيعة المرحلة المقبلة على مستوى المنطقة، وهي تتحرك فعليًا لتأمين الأمن القومي العربي، عبر الالتفات إلى التنمية الاقتصادية المُستدامة، بدلًا من أجواء الصراعات والانقسامات التي شكلت واقعيًا عبئًا كبيراً على حاضرتنا العربية. لست هنا في معرض التسويق للمملكة العربية السعودية أو قيادتها السياسية، لكن ما أستطيع التأكيد عليه هو أن إدارتنا السياسية استطاعت تقديم خارطة طريق لإخراج المنظومة العربية من ضائقتها الحالية إلى التوسع التنموي، وهو بصراحة ما أرادته الشعوب منذ عقود طويلة، هذا أولًا، أما ثانيًا – وهو الأهم برأي – فإن على العرب أن يعيدوا تموضعهم السياسي والاقتصادي والجمعي والأمني، ورسم آفاق جديدة للسياسة الخارجية في ظل الفرص الناشئة في النظام العالمي المتغير؛ انطلاقًا من كوننا عنصرًا فاعلًا وليس مفعولًا به، بحسب وصف أمين جامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط. ما لاحظته من تبعات هذه القمة وبيانها الختامي، أن هناك رغبة جادة في التحول إلى تعظيم القوة العربية الإقليمية باستخدام الأدوات الناعمة لا الصلبة، وهذا ذكاء سياسي، وهو لب “قمة جدة” التي حرصت عليه القيادة السياسية السعودية – رئيسة الدورة الحالية – وهو ما حاز على اهتمام استثنائي عالمي سواء كان سياسيًا أو إعلاميًا، ولعلي أشير هنا إلى ما طرحته صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية اليسارية، التي خلصت إلى أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، نجح من خلال عودة سوريا بقرار من جامعة الدول العربية، ثم الوصول المفاجئ لفولوديمير زيلينسكي، في أن يجعل من القمة حدثًا عالميًا غير مسبوق؛ بينما يجذب عادة (القمة العربية) اهتمامًا محدودًا جدًا من وسائل الإعلام. هذا الاستثناء للقمة العربية؛ يعود من وجهة نظري المتواضعة إلى فاعلية التوجه السعودي من نقل المنطقة من مربع الصراعات والنزاعات إلى نقطة مفصلية تقوم على مبدأ مهم، وهو “التنمية الاستراتيجية”، كما أنه تأكيد على الوزن الثقيل للمملكة العربية السعودية في العالم العربي. وبعيدًا عن “التصدعات السياسية”، فإن المبادرات النوعية والمهمة التي ستعمل عليها المملكة خلال رئاستها للدورة الحالية تتسق مع التموضع التنموي للقمة، وهو “مبادرة إنشاء حاوية فكرية للبحوث والدراسات في الاستدامة والتنمية الاقتصادية”، الأمر الذي سيتمخض عنه احتضان التوجهات والأفكار الجديدة في مجال التنمية المستدامة وتسليط الضوء على أهمية مبادراتها في المنطقة العربية لتعزيز الاهتمام المشترك ومتعدد الأطراف بالتعاون البحثي وإبرام الشراكات الاستراتيجية.. دمتم بخير.  

مُحددات السلوك السياسي السعودي والمتغيرات الجيوسياسية

انطلاقًا من سياقها القيادي المحوري، أعادت الرياض قراءة أولوياتها الاستراتيجية بما يتفق مع مصالحها وأمنها القومي ومصالح الإقليم في الوقت نفسه، وهو الجوهر المهم إذا ما أردنا فهم مُحددات السلوك السياسي السعودي، ورؤيتها في تحريك المياه الراكدة منذ زمن ليس بالقصير، وحلحلة العديد من القضايا العالقة والمعقدة جدًا..
في الفترة القريبة الماضية طالعت الكثير من التقارير التحليلية الصادرة سواء عن مراكز البحث والتحليل الاستراتيجي، أو كبريات الصحف الغربية الرصينة منها وغير الرصينة، والتي تناولت بشيء من التركيز المتعمق دلالات ومتغيرات السلوك السياسي السعودي تجاه أهم منطقة جيوسياسية في العالم الغنية بالنفط والغاز ومصادر الطاقة. علينا مواجهة بعض الحقائق إذا ما أردنا فعليًا استدراك واستيعاب “السلوك السياسي السعودي” وتبعاته المختلفة بعيدًا عن الإسقاطات والأجندات السياسية غير المتوافقة معنا، فاليوم وبما لا يدُع مجالًا للشك هناك تغيرات ديناميكية سريعة تحدث على مستوى المنطقة ككل -وهذا لا يخفى على أحد- والسعودية شاءت أم أبت جزء لا يتجزأ من هذه المنظومة الإقليمية. أدى تراجع الولايات المتحدة الأمريكية عن سياق التزاماتها الأمنية الإقليمية، فضلًا عن تزايد حدة الانقسامات والصراعات، إلى دفع الإدارة السياسية السعودية لأخذ زمام المبادرة كدولة قائدة للعالم العربي والإسلامي، في محاولة حثيثة منها لإدارة مركب البوصلة السياسية إلى بر الأمان لها ولشقيقاتها في المنطقة. انطلاقًا من سياقها القيادي المحوري، أعادت الرياض قراءة أولوياتها الاستراتيجية بما يتفق مع مصالحها وأمنها القومي ومصالح الإقليم في الوقت نفسه، وهو الجوهر المهم إذا ما أردنا فهم مُحددات السلوك السياسي السعودي، ورؤيتها في تحريك المياه الراكدة منذ زمن ليس بالقصير، وحلحلة العديد من القضايا العالقة والمعقدة جدًا، بهدف تعزيز السلم والأمن الإقليمي، وإخراج المنطقة من دائرة الصراعات والنزاعات، على الرغم من التحديات الكبيرة التي واجهتها في سبيل ذلك، وعدم موافقة بعض القوى الدولية الكبرى، إلا أنها استطاعت بدبلوماسية الأطراف الهادئة والفاعلة إلى تحقيق “التوازن” لنقل المنطقة من مرحلة معقدة إلى مرحلة الاستراتيجية التنموية. ما يؤكد هذه الاتجاهات ما نشرته مجلة “فورين بوليسي” العريقة من أن المملكة العربية السعودية تحظى اليوم بشعبية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما أظهره استطلاع حديث أجرته مؤسسة “غالوب” في 13 دولة ذات أغلبية مسلمة، ذكرت فيه أن السعودية كانت الأكثر شعبية، وكانت سياسيات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الداخلية والخارجية محل إعجاب مجتمعات الدول المستطلعة. في العامين الأخيرين تحديدًا كانت هناك تعديلات دقيقة ديناميكية في السياسة السعودية الخارجية، تمثلت في توسيع نطاقات التحركات لما هو أبعد من الإقليم، وهذا يحسب لقيادتنا الوطنية، فالمملكة بموقعها الاستراتيجي وقدراتها المالية الهائلة، فضلًا عن خططها الاستثمارية هنا وهناك، وسياساتها الإنسانية المركزة، جعل منها مُحركًا فاعلًا يجتمع على طاولتها الأطراف المتضادة أو غير المتوافقة على أدنى تقدير، وهو ما يُعزز الضمانة الأمنية والاستقرار لها ولدول الإقليم، ويكمن نجاحها هنا في تحقق عوامل “التوازن البراغماتي”. مع المتغيرات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، والأولويات الاستراتيجية المتغيرة، وعت الرياض أكثر من غيرها، بأهمية دراسة المخاطر التكتيكية التي يمكن أن تُهدد تغيير المواقف، من خلال عملها الجاد والمؤسسي الدبلوماسي على توفير الحوارات الضمنية الإيجابية مع مختلف مراكز القوى الإقليمية، ووصول الأطراف جمعيًا إلى قناعة تامة بأهمية تعزيز مسألة الأمن والتنمية والازدهار لتحقيق الرفاهية لشعوب المنطقة، خاصة مع تراجع الاقتصاد، وزيادة معدلات البطالة، وتراجع مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.. دمتم بخير.  

«اليمن».. بعيدًا عن «العسكرة» قريبًا من «الاقتصاد»

وعت الرياض أهمية السير بخطين متوازيين، ما بين العسكري والاقتصادي، وهو ما تبلور في تأسيس الحكومة السعودية «للبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن»، الذي تبوأ بحسب منصة التتبع المالي للأمم المتحدة (FTS) المرتبة الأولى لعامين على التوالي (2022-2021)، كأكبر المانحين الدوليين بين المنظمات غير الأممية..
ابتداءً أرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات إلى خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، وإلى كافة أفراد شعبنا الكريم، بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك. تُعد المسألة اليمينة بالنسبة للإدارة السياسية السعودية مسألة في غاية الأهمية، خاصة إذا علمنا من أن اليمن يُمثل الحديقة الخلفية للسعودية، وبعيدًا عن العسكرة والاقتتال، أتصور أنه من المُجدي التركيز على الجانب الاقتصادي والتنموي باعتباره إطارًا محوريًا يرتبط بدورة حياة اليمنيين، ومواجهة تداعيات حرب استمرت زهاء الثماني سنوات تقريبًا. قبل أيام من مقال اليوم، كتبت تغريدتين في منصة تويتر، نالت آلاف المشاهدات، ذكرت في الأولى: “أن وقوف السعودية مع اليمن الشقيق يتجاوز الدعم السياسي، إلى البُعد الاقتصادي النوعي، فهناك 3 ملايين ونصف من إخواننا اليمنيين العاملين في السعودية يمدون اليمن بالعملة الصعبة، وهو ما أسهم في دعم هيكل البلاد الاقتصادي”، وفي الثانية كتبت: “كانت السعودية وما زالت سند تاريخيًا دائمًا للسعيدة، ليعلم القاصي والداني عمق اليمن بالنسبة لقيادتنا الرشيدة”. منذ اليوم الأول لحرب استعادة الشرعية اليمنية، وعت الرياض أهمية السير بخطين متوازيين، ما بين العسكري والاقتصادي، وهو ما تبلور في تأسيس الحكومة السعودية “للبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن”، الذي تبوأ بحسب منصة التتبع المالي للأمم المتحدة (FTS) المرتبة الأولى لعامين على التوالي (2021-2022)، كأكبر المانحين الدوليين بين المنظمات غير الأممية. تأسس البرنامج السعودي بأمر سامٍ كريم من لدن خادم الحرمين الشريفين في العام 2018، وجاء في الأساس لتقديم الدعم الاقتصادي والتنموي في شتى المجالات بالجمهورية اليمنية، وتحسين البنى التحتية ومستوى الخدمات الأساسية للشعب اليمني الشقيق فضلًا عن توفير فرص العمل، وذلك بالتعاون مع الحكومة اليمنية والسلطات المحلية في المحافظات ومنظمات المجتمع المدني. ولفهم عمق الدعم التنموي لبلاد السعيدة، قدم البرنامج السعودي منذ 2018 وحتى أبريل 2023، ما يقرب من (229) مشروعًا ومبادرة تنموية في 14 محافظة يمنية، وهو يعمل في سبعة قطاعات أساسية، وهي: التعليم، والصحة، والمياه، والطاقة، والنقل، والزراعة والثروة السمكية، وبناء قدرات المؤسسات الحكومية، إضافة إلى البرامج التنموية. فإذا أخذنا “قطاع الطاقة” -على سبيل المثال لا الحصر- الذي يُشكل الدافع الرئيس للنمو الاقتصادي، ساهم البرنامج في تقديم مشاريع ومبادرات تنموية بلغت 29 مشروع ومبادرة، انعكست على رفع كفاءة الطاقة وتحسين القدرات التشغيلية، وتعزيز استخدامات الطاقة النظيفة، كما أشرف البرنامج على منح المشتقات النفطية السعودية والتي وصلت دفعاتها إلى مختلف المحافظات اليمنية، وأسهمت في تحسين خدمات القطاعات الحيوية، وتحسين معيشة المواطنين اليمنيين، ورفعت من قدرات المؤسسات اليمنية العاملة في مجال الكهرباء، وقللت من انقطاعات الكهرباء ونسبة الفاقد الشهري، وخففت من العبء على ميزانية الحكومة اليمنية. ودعمت السعودية قطاع الصحة بصورة متكاملة وشاملة، منها بناء المرافق الصحية وإمدادها بالطاقة، وتوفير مخرجات تعليمية مؤهلة لخلق فرص عمل، وتكوين كادر صحي متمكن من تقديم الخدمات الصحية المطلوبة من خلال دعم الجامعات، فضلًا عن توفير خدمات الرعاية والوقاية والتوعية الصحية بكفاءة وفعالية والتي تسهم في جعل القوى العاملة أكثر إنتاجية وتطوير رأس المال البشري، والمساهمة في تعزيز صمود المجتمعات المستفيدة لمواجهة الصدمات بشكل أفضل. لا يكفي لاستدراك الدور السعودي لدعم المنظومة الاقتصادية والتنموية للشقيقة اليمن بعيدًا عن العسكرة، مقال أو اثنين أو ثلاث.. دمتم بخير.  

«صناعة الترفيه» السعودية.. الاقتصاد الإبداعي الديناميكي

الخارطة المتنوعة للترفيه التي تم الإعلان عنها مؤخرًا، تؤكد الكثير من الرسائل المحورية لصناعة الترفيه السعودية، والتي تؤكد أن المملكة لديها منهجية تطبيقية للوصول بالقطاع إلى آفاق بعيدة، سندرك أهميتها الوطنية خلال المديين المتوسط والبعيد، ليس اقتصاديًا فقط بل وحتى اجتماعيًا..
منذ عامين ونصف العام تقريبًا بدأت أرصد كمراقب التحركات النوعية لمشهد قطاع الترفيه في بلادنا، وأكدت في أكثر من سياق، أن الترفيه بالمملكة تحول من كونه أنشطة وفعاليات مجتزأة بين هنا وهناك، إلى صناعة متكاملة الأركان باتت تؤتي ثمارها من حيث الاستقطاب “السياحي الترفيهي”، والإسهام في الناتج الإجمالي؛ فضلًا عن زيادة المحتوى المحلي غير النفطي، وتوفير الفرص الوظيفية الدائمة والمؤقتة، وجذب الاستثمارات المحلية والدولية، وتنشيط سوق العمل الترفيهي الوطني. الإشارة الصريحة المهمة عند وضع هذا الملف على الطاولة الوطنية النقاشية، تكمن في أنه استطاع أن يترجم بشكل مباشر لمستهدفات رؤية المملكة 2030 الطموحة؛ التي راهنت على مسار هذه الصناعة بشمولية ومنهجية لم تكن لتتحقق لولا فضل الله، ثم بفضل الدعم اللامحدود المقدم من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي نجح في خلق أبجديات هذه الصناعة وتقديمها للملأ الإقليمي والدولي كنموذج مميز ومختلف على خارطة الترفيه العالمية. ولعل أكثر من يبرز جهود الدولة المؤسسية في هذه الصناعة، هو أن الفعاليات الترفيهية التي أقامتها الهيئة العامة للترفيه منذ العام 2019 وحتى الربع الأول من العام الحالي 2023، استقبلت أكثر من 120 مليون زائر، وهو رقم قياسي كبير لهذا القطاع الحيوي الواعد، في العمود الفقري للمنظومة الاقتصادية السعودية. وبرأيي أن هذا المنجز الوطني لم يكن وليد الصدفة – كما يتصور البعض – بل كان امتدادًا للاستراتيجية التي أعلن عنها رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه، تركي آل الشيخ في يناير 2019، والتي تهدف إلى أن تصبح المملكة ضمن أول أربع وجهات ترفيهية في آسيا، وبين أول عشر وجهات ترفيهية في العالم. تطلب تطبيق استراتيجية الهيئة العامة للترفيه، الكثير من المبادرات والمشاريع والبرامج المهنية التطويرية للكوادر السعودية (من الجنسين)؛ من أجل دعم مفاصل هذه الصناعة التي يعول عليها وطنيًا بشكل كبير في تنويع القاعدة الاقتصادية للبلاد، ولعلي أشير هنا – على سبيل المثال لا الحصر – إلى “المنتدى الدولي للترفيه 2023″، الذي يُعد استمرارًا للمبادرات الترفيهية، والإسهام في تطوير القطاع الترفيهي بأحدث المعايير الدولية؛ لتلبية احتياجات الإقبال الترفيهي المتزايد في جميع أنحاء المملكة، وما صاحبه من برنامج مخصص للتطوير المهني قدمه معهد مديري الوجهات الترفيهية التابع للمنظمة الدولية للوجهات والمدن الترفيهية IAAPA؛ بهدف تبادل أفضل ممارسات المجال عبر أنواع من المشاريع التي تقوم عليها شركات رائدة في قطاع الترفيه من جميع أنحاء العالم. ربما الخارطة المتنوعة التي تم الإعلان عنها مؤخرًا، تؤكد الكثير من الرسائل المحورية لصناعة الترفيه السعودية، والتي تؤكد أن المملكة لديها منهجية تطبيقية للوصول بالقطاع إلى آفاق بعيدة، سندرك أهميتها الوطنية خلال المديين المتوسط والبعيد، ليس اقتصاديًا فقط بل وحتى اجتماعيًا. ومن منجزات الهيئة المتنوعة تنظيم أكبر مسابقة للقرآن الكريم والأذان على مستوى العالم، كما أصدرت 11,136 ترخيصًا لمختلف الأنشطة الترفيهية، والأنشطة المساندة بعد إطلاق منظومة التراخيص الجديدة في عام 2019 لـ9 أنشطة ترفيهية ومساندة؛ في حين تم الترخيص لـ 470 وجهة ترفيهية في أكثر من 42 مدينة ومحافظة في المملكة، والتصريح لأكثر من 1402 مطعم في 50 مدينة ومحافظة في المملكة بأكثر من 3728 تصريحاً، إضافة إلى الترخيص لأكثر من 3,738 منشأة في مجالات الأنشطة الترفيهية والمساندة. وخلال هذه الفترة بلغت الفعاليات 8,732، ما بين فعالية وعروض ترفيهية وعروض حية في المطاعم والمقاهي، لافتاً إلى أن عدد أيام الفعاليات بلغ أكثر من 76 ألف يوم؛ شملت أكثر من 1381 حفلة غنائية، وتمكين أكثر من 6,610 مواهب من المؤدين للمشاركة في الفعاليات والعروض الحية في المطاعم والمقاهي، وإقامة واحد من أهم المهرجانات الفنية المهتمة بصناعة الترفيه (Joy Awards) بثلاث نسخ، فضلًا عن تنظيم أحد أهم مهرجانات العزف على العود في العالم بجوائز غير مسبوقة بثلاث نسخ، إضافة إلى بطولة شطرنج كبيرة وبطولتي لعبة البلوت (الكوتشينة). باختصار.. تُعد صناعة الترفيه السعودية من أهم القطاعات التي تدعم الاقتصاد الإبداعي الديناميكي؛ إذ من المتوقع أن تُصبح الأكبر بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحلول العام 2025.. دمتم بخير.