«صناعة الترفيه» السعودية.. الاقتصاد الإبداعي الديناميكي

الخارطة المتنوعة للترفيه التي تم الإعلان عنها مؤخرًا، تؤكد الكثير من الرسائل المحورية لصناعة الترفيه السعودية، والتي تؤكد أن المملكة لديها منهجية تطبيقية للوصول بالقطاع إلى آفاق بعيدة، سندرك أهميتها الوطنية خلال المديين المتوسط والبعيد، ليس اقتصاديًا فقط بل وحتى اجتماعيًا..
منذ عامين ونصف العام تقريبًا بدأت أرصد كمراقب التحركات النوعية لمشهد قطاع الترفيه في بلادنا، وأكدت في أكثر من سياق، أن الترفيه بالمملكة تحول من كونه أنشطة وفعاليات مجتزأة بين هنا وهناك، إلى صناعة متكاملة الأركان باتت تؤتي ثمارها من حيث الاستقطاب “السياحي الترفيهي”، والإسهام في الناتج الإجمالي؛ فضلًا عن زيادة المحتوى المحلي غير النفطي، وتوفير الفرص الوظيفية الدائمة والمؤقتة، وجذب الاستثمارات المحلية والدولية، وتنشيط سوق العمل الترفيهي الوطني. الإشارة الصريحة المهمة عند وضع هذا الملف على الطاولة الوطنية النقاشية، تكمن في أنه استطاع أن يترجم بشكل مباشر لمستهدفات رؤية المملكة 2030 الطموحة؛ التي راهنت على مسار هذه الصناعة بشمولية ومنهجية لم تكن لتتحقق لولا فضل الله، ثم بفضل الدعم اللامحدود المقدم من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي نجح في خلق أبجديات هذه الصناعة وتقديمها للملأ الإقليمي والدولي كنموذج مميز ومختلف على خارطة الترفيه العالمية. ولعل أكثر من يبرز جهود الدولة المؤسسية في هذه الصناعة، هو أن الفعاليات الترفيهية التي أقامتها الهيئة العامة للترفيه منذ العام 2019 وحتى الربع الأول من العام الحالي 2023، استقبلت أكثر من 120 مليون زائر، وهو رقم قياسي كبير لهذا القطاع الحيوي الواعد، في العمود الفقري للمنظومة الاقتصادية السعودية. وبرأيي أن هذا المنجز الوطني لم يكن وليد الصدفة – كما يتصور البعض – بل كان امتدادًا للاستراتيجية التي أعلن عنها رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه، تركي آل الشيخ في يناير 2019، والتي تهدف إلى أن تصبح المملكة ضمن أول أربع وجهات ترفيهية في آسيا، وبين أول عشر وجهات ترفيهية في العالم. تطلب تطبيق استراتيجية الهيئة العامة للترفيه، الكثير من المبادرات والمشاريع والبرامج المهنية التطويرية للكوادر السعودية (من الجنسين)؛ من أجل دعم مفاصل هذه الصناعة التي يعول عليها وطنيًا بشكل كبير في تنويع القاعدة الاقتصادية للبلاد، ولعلي أشير هنا – على سبيل المثال لا الحصر – إلى “المنتدى الدولي للترفيه 2023″، الذي يُعد استمرارًا للمبادرات الترفيهية، والإسهام في تطوير القطاع الترفيهي بأحدث المعايير الدولية؛ لتلبية احتياجات الإقبال الترفيهي المتزايد في جميع أنحاء المملكة، وما صاحبه من برنامج مخصص للتطوير المهني قدمه معهد مديري الوجهات الترفيهية التابع للمنظمة الدولية للوجهات والمدن الترفيهية IAAPA؛ بهدف تبادل أفضل ممارسات المجال عبر أنواع من المشاريع التي تقوم عليها شركات رائدة في قطاع الترفيه من جميع أنحاء العالم. ربما الخارطة المتنوعة التي تم الإعلان عنها مؤخرًا، تؤكد الكثير من الرسائل المحورية لصناعة الترفيه السعودية، والتي تؤكد أن المملكة لديها منهجية تطبيقية للوصول بالقطاع إلى آفاق بعيدة، سندرك أهميتها الوطنية خلال المديين المتوسط والبعيد، ليس اقتصاديًا فقط بل وحتى اجتماعيًا. ومن منجزات الهيئة المتنوعة تنظيم أكبر مسابقة للقرآن الكريم والأذان على مستوى العالم، كما أصدرت 11,136 ترخيصًا لمختلف الأنشطة الترفيهية، والأنشطة المساندة بعد إطلاق منظومة التراخيص الجديدة في عام 2019 لـ9 أنشطة ترفيهية ومساندة؛ في حين تم الترخيص لـ 470 وجهة ترفيهية في أكثر من 42 مدينة ومحافظة في المملكة، والتصريح لأكثر من 1402 مطعم في 50 مدينة ومحافظة في المملكة بأكثر من 3728 تصريحاً، إضافة إلى الترخيص لأكثر من 3,738 منشأة في مجالات الأنشطة الترفيهية والمساندة. وخلال هذه الفترة بلغت الفعاليات 8,732، ما بين فعالية وعروض ترفيهية وعروض حية في المطاعم والمقاهي، لافتاً إلى أن عدد أيام الفعاليات بلغ أكثر من 76 ألف يوم؛ شملت أكثر من 1381 حفلة غنائية، وتمكين أكثر من 6,610 مواهب من المؤدين للمشاركة في الفعاليات والعروض الحية في المطاعم والمقاهي، وإقامة واحد من أهم المهرجانات الفنية المهتمة بصناعة الترفيه (Joy Awards) بثلاث نسخ، فضلًا عن تنظيم أحد أهم مهرجانات العزف على العود في العالم بجوائز غير مسبوقة بثلاث نسخ، إضافة إلى بطولة شطرنج كبيرة وبطولتي لعبة البلوت (الكوتشينة). باختصار.. تُعد صناعة الترفيه السعودية من أهم القطاعات التي تدعم الاقتصاد الإبداعي الديناميكي؛ إذ من المتوقع أن تُصبح الأكبر بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحلول العام 2025.. دمتم بخير.  

بعض من مرتكزات النفوذ السعودي

من حقائق النفوذ السعودي أن يدنا كانت دائمًا ممدودة للتفاهم مع الجميع على أساس من الاحترام المُتبادل، والالتزام بحسن الجوار، واحترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية أو التأثير عليها..
تعي الإدارة السياسية السعودية أهمية تعزيز نفوذها على مستوى الإقليم وبعض المحاور الدولية، الأمر الذي يتطلب منها الحضور النوعي، وذلك انطلاقًا من مصالحها القومية الاستراتيجية والجيوسياسية، فضلًا عن مركزية ريادتها للعالمين العربي والإسلامي، أضف إلى ذلك عمقها التاريخي ودرايتها السياسية كصانعة للسلام والاستقرار إقليميًا ودوليًا، وهي المعادلة المهمة إذا ما أردنا فهم بعض “من مرتكزات النفوذ السعودي” وتوسعه في أكثر من اتجاه وقضية، حتى باتت تحركاته محل تأثير وإقناع وقبول أممي. في السابع والعشرين من فبراير الماضي أصدر مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية تقريرًا تحليليًا متعمقًا تحت عنوان: “كيف أسهمت الحرب الروسية – الأوكرانية في تعزيز نفوذ دول الشرق الأوسط؟” وحدد الإطار الموضوعي 6 اتجاهات رئيسة مختلفة، وبعض ما جاء في سياقه، التطرق بشيء من التفصيل إلى محورية الدور السعودي، ودخوله كعنصر وساطة فاعل لتهدئة منسوب الحرب بين موسكو وكييف، خاصة مع تبني الرياض نهجًا محايدًا تجاه أطراف الصراع وعدم اتخاذ أي موقف يُفسر على أنها تساند طرفاً ضد آخر، وهو ما سهل من دورها كوسيط، وتأكيداتها المستمرة أكثر من مرة عن دعمها لكافة الحلول السياسية، والجهود الدولية الرامية لإنهاء الحرب، ولم تكتفِ بذلك بل تعمق دورها بعد وساطة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في الإفراج عن 10 من أسرى الحرب الأجانب في أوكرانيا. يفسر هذه التحركات بجلاء المؤتمر الصحفي المشترك الذي جمع وزير خارجيتنا الأمير فيصل بن فرحان مع نظيره الروسي سيرغي لافروف عقب مباحثاتهما الرسمية في العاصمة موسكو، والطروحات السعودية التي أكدت على استعدادها إلى تسهيل الحوار بين روسيا وأوكرانيا، والقيام بما يلزم لحل الصراع الدائر، حرصًا على استقرار سوق الطاقة العالمي. إحدى المرتكزات التي ساعدت السعودية على تعزيز نفوذها، تعميق مبدأ “السلام التنموي”، ويمكن الاستشهاد هنا بدعم الرياض للحوار اليمني – اليمني، فضلًا عن مساعيها التنموية في إخراج البلد من حالته الراهنة، فقدمت دعمًا تنمويًا واقتصاديًا نوعيًا للجمهورية اليمنية عبر البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، كرسالة تأكيد على اهتمامها بما يسهم في تحسين الحياة اليومية ويرفع من كفاءة البنى التحتية وتوفير فرص العمل لليمنيين، بل إن السعودية تصدرت المركز الأول في قائمة الدول المانحة لليمن بنحو 30 % من إجمالي الدعم منذ العام 2001 وحتى 2022، وتعد أكبر المانحين لها بأكثر من 934 مليون دولار، بحسب ما كشفه تقرير منصة التتبع المالي التابعة للأمم المتحدة (FTS) للعام 2021. ومن محددات النفوذ السعودي الدعوة إلى السلام وتصفير المشكلات، ونشير في هذا المفصل إلى “الاتفاق السعودي – الإيراني” الأخير، عبر تغليب مبدأ الدبلوماسية، والذي يأتي ضمن سياق إيمانها بأهمية الحوار سبيلًا لحل الخلافات، ومن حقائق النفوذ السعودي أن يدنا كانت دائمًا ممدودة للتفاهم مع الجميع على أساس من الاحترام المُتبادل والالتزام بحسن الجوار واحترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية أو التأثير عليها. انطلقت الرياض في حلحلة المسألة مع طهران من نافذة تعزيز أمن واستقرار الشرق الأوسط الذي يُمثل أولوية للسياسة السعودية بوصفه جزءًا حيويًا من أمن واستقرار العالم، خاصة في ظل التحديات الجيوسياسية والاقتصادية الحالية، وهو ما يستدعي العمل مع جميع الدول لإزالة كل مسببات التوتر والاحتقان وتحقيق الاستقرار لأهم منطقة حيوية في العالم، وهو ما سيكون له انعكاسات إيجابية على شعوب ودول المنطقة.. دمتم بخير.  

إلى أين تتجه السعودية في الاستثمارات الثقافية؟

من مشاهد “الصناعة الثقافية” السعودية إنتاج 100 فيلم عالمي مصور كُليًا أو جزئيًا في المملكة بحلول 2030، كما سيتم افتتاح 28 متحفاً، وبناء أكثر من 150 مكتبة عامة، وما يدعم هذه التوجهات توقيع مذكرة شراكة استراتيجية بين وزارتي الثقافة والاستثمار..
تقول منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ‏”اليونسكو”: إن الصناعات الثقافية والإبداعية تُعتبر من أسرع الصناعات نمواً في العالم، وقد ثبُت أنها خيار إنمائي مستدام يعتمد على مورد فريد ومتجدد هو الإبداع البشري، ويُقصد بذلك قدرة الإنسان على وضع حلول وأفكار جديدة ومبتكرة نابعة من الخيال أو من مهارة الابتكار. ووضِعت الإمكانيات التي توفرها هذه الصناعات في صميم اتفاقية عام 2005 بشأن حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي، ويتمثل هدف هذه المعاهدة الدولية الملزمة قانوناً في تمكين الفنانين، والمهنيين والممارسين العاملين في مجال الثقافة، وسائر المواطنين من ابتكار مجموعة واسعة من السلع والخدمات والأنشطة الثقافية وإنتاجها ونشرها والتمتّع بها، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بأشكال التعبير الثقافي الخاصة بهم. وتدعم هذه الاتفاقية الآليات التي تشجع الابتكار وتعزز نشوء صناعات ثقافية وإبداعية نشيطة من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، بما في ذلك الآليات التي ترمي إلى تعزيز الإنتاج المحلي، وتطوير الأسواق المحلية، وتيسير الانتفاع بالمنابر المخصصة لأغراض التوزيع والتبادل في شتى أنحاء العالم. لإيضاح السابق استشهد بما كتبه رئيس تحرير مجلة البحرين الأستاذ كمال الذيب في العام 2021، مؤكدًا أن الثقافة في الدول المتقدِّمة، أصبحت تشكِّل مصدراً رئيساً من مصادر الثروة، خاصة في الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي والصين واليابان، ويكفي الإشارة هنا إلى أن دخل بلد صناعي مثل بريطانيا من الثقافة (كتب ومسرح وسينما وموسيقى وفنون تشكيلية)، يتجاوزُ في حجمه، دخلَها من صناعة السيارات البريطانية الشهيرة.
علينا استيعاب مسارات “الصناعة الثقافية” الوطنية التي تقودها الدولة اليوم، وهي تدار بطريقة ديناميكية، ونشيد بالدور الذي تقوم به وزارة الثقافة بقيادة وزيرها الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، بدعم لا محدود من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لذلك تعي الحكومة السعودية اليوم أهمية هذه الصناعة، واسترشد هنا بما ذكره نائب وزير الثقافة حامد فايز في مبادرة مستقبل الاستثمار (أكتوبر 2022)، والتي حرصت حينها على تدوين بعض الأفكار التي تُلخص الجهود المبذولة في هذا القطاع، ومن ذلك: العمل في أكثر من اتجاه على دعم الاستثمار بالصناعات الإبداعية، وإطلاق الوزارة استراتيجيات الهيئات الثقافية الإحدى عشرة، التي ستعمل على خلق أكثر من 100 ألف وظيفة في القطاع الثقافي بحلول عام 2030، إلى جانب تطوير الفرص الاقتصادية والمساهمة بنحو 23 مليار دولار أو 3 % من الناتج المحلي الإجمالي في 2030، فضلًا عن إطلاق أكثر من 500 مبادرة ثقافية. أحد الجوانب الرئيسة في هذا المضمار ما يقوم به صندوق التنمية الثقافي الذي يشجع الاستثمار، ويعزز الاستدامة، ويعيد التأكيد على دور الثقافة كمحرك للنمو، وذلك بأكثر من 180 مليون ريال من المنح التي قدمها العام الماضي تحت مظلةٍ استراتيجيةٍ داعمةٍ للقطاع الخاص ستؤمّن 2.5 مليار ريال من الاستثمار الخاص في الثقافة بحلول عام 2030. ومن مشاهد “الصناعة الثقافية” السعودية إنتاج 100 فيلم عالمي مصور كُليًا أو جزئيًا في المملكة بحلول 2030، كما سيتم افتتاح 28 متحفاً، وبناء أكثر من 150 مكتبة عامة، وما يدعم هذه التوجهات توقيع مذكرة شراكة استراتيجية بين وزارتي الثقافة والاستثمار (مارس 2023)؛ لتنمية وتطوير قطاع الاستثمار الثقافي في المملكة، وإيجاد فرص استثمارية جاذبة للمستثمر المحلي والأجنبي، بما يضمن تعزيز تنويع اقتصاد المملكة، وتحقيق مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، واستراتيجية الاستثمار الثقافي، وتطوير وتقديم مجموعة من الفرص الاستثمارية الملموسة في القطاع الثقافي، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من شراكات التمويل المستدام للمستثمرين، فضلاً عن دعم المواطنين من أصحاب الموهبة والإبداع للاستفادة من المشروعات الاستثمارية لتنمية القدرات الثقافية.
من الصناعات الثقافية التي يمكن الاستشهاد بها مشروع “الرياض آرت” الذي يضم أكثر من ألف قطعة فنية و10 برامج فنية ومهرجانين سنويين للفنون، كما ينظم ندوة “طويق للنحت”، التي تستقطب أكثر من 650 فنانًا من 62 دولة، ويعمل على تشجيع الفنانين على إعادة تصور إمكانيات النحت والتقاط مظاهر العمليات المؤقتة لإظهار التغيير ومشاهدته. كما ساعد عام القهوة السعودية على دعم وتنمية أعمال المزارعين والمستثمرين في هذه الصناعة الوطنية، وخلق الفرص والوظائف سواء في الإنتاج والزراعة، أو في الضيافة، وفي المجالات الأكاديمية والبحث والتطوير. بالتأكيد إن المملكة بفعل صناعاتها الثقافية باتت مركزًا ثقافيًا بارزًا على الخريطة العالمية، ومركزًا دائمًا للتبادل الثقافي.. دمتم بخير.