نحن بحاجة إلى عملية قيصرية كبيرة لصناعة إعلام سياحي سعودي متكامل، وهو ما يتطلب تأهيلاً عالي المستوى، لأن دوره يتجاوز مفهوم الترويج إلى تعظيم الأثر الاقتصادي والاستثماري للقطاع..
في علم التسويق، يُعد جوهر رعاية العملاء المهمين المحتملين، عملية تعزيز للعملاء المحتملين غير الجاهزين للشراء بعد، و”التسويق السياحي” يندرج في هذا الإطار أيضًا، وهو مجموعة من الاستراتيجيات والتكتيكات التي تستخدم لتعزيز الوجهات السياحية والخدمات المرتبطة بها، مثل الفنادق، والمطاعم، والجولات السياحية والأنشطة الترفيهية. وللاستزادة، فإن “التسويق السياحي” يهدف في المقابل إلى جذب الزوار من الداخل والخارج، وتحفيزهم على زيارة الوجهات والتعرف على ثقافتها وتراثها ومعالمها السياحية وزيادة الإيرادات المتعلقة بهذه الصناعة، وليس ذاك فحسب، بل يسهم في تعزيز الصورة العامة للوجهات، وتحسين سمعتها وجذب المزيد من الاستثمارات والعملاء من الأسواق السياحية الإقليمية والدولية.
ملف “الصناعة السياحية”، هو من الملفات المحورية لتعظيم أثر الاقتصاد السعودي المتنوع، لذلك يحظى باهتمام كبير من قيادتنا، كونها تُعد على مستوى العالم من أهم الصناعات التي تساهم بنسبة معتبرة في الناتج القومي للعديد من الدول، فضلًا عن أنها إحدى ركائز اقتصاداتها الأساسية، وبالنسبة لبعض الدول، أصبحت مصدر الدخل الأول من دون منازع، نظرًا للعائد الذي توفره لخزينتها العامة.
هناك تحركات كبيرة وإيجابية للحكومة السعودية في ترويج وجهاتها وتجاربها السياحية خلال الفترة الماضية، من خلال الهيئة السعودية للسياحة التي تُعد إحدى ركائز المنظومة السياحية التابعة لوزارة السياحة، وعلى الرغم من الجهود التي تقوم بها الهيئة، إلا أن هناك تحديات تواجهنا -كما الدول الأخرى- والتي تتمثل في المنافسة الشديدة في هذا القطاع المحوري، الذي نعول عليها كثيرًا في رسم معالم اقتصادنا المقبل، لذا كان إقرار مجلس الوزراء تنظيم الهيئة السعودية للسياحة، خطوة نوعية لإبراز المملكة بصفتها وجهة سياحية عالمياً ومحلياً، وجذب الزوار إليها، والعمل مع الجهات الحكومية ذات العلاقة بالوجهات السياحية على إنشاء مكاتب تسويق لها، والإشراف على خطط التسويق السياحي في المكاتب، وتحديد مستهدفات الزيارة، والإنفاق بما يعزز دور القطاع الخاص فيها.
ما يريده السائح، والشركاء التجاريون في الصناعة السياحية، هو مدى توفر وموثوقية المعلومات، لذلك ما يهم في هذا الإقرار، خطوة الهيئة في إنشاء قاعدة بيانات تحتوي على جميع المواقع والوجهات السياحية والمنتجعات والخدمات والفعاليات وتحديثها دورياً، بالتعاون مع الجهات المعنية، وكذلك مباشرة الأعمال ذات الصلة بالترويج والتوزيع للعمرة، بما في ذلك تطوير وإدارة أي منصة تعد لهذا الغرض، بالتنسيق مع الأجهزة ذات العلاقة، والعمل أيضاً على قياس تجربة الزائر، ووضع المعايير والأدوات والآليات اللازمة، وتحديد الأولويات والتحديات التي تواجه السائح، ومشاركة النتائج وتقارير الأداء مع وزارة السياحة.
الدول التي نجحت في استقطاب السياح لزيارتها، كان من أهم عوامل نجاحها، مدى جاهزية المواقع لاستقبال الزوار، لذا ستقترح الهيئة التصاميم والسياسات والإجراءات اللازمة لتهيئة تطوير المواقع والوجهات السياحية التي تحتاج إلى تأهيل أو تحديث، ورفعها إلى وزارة السياحة، بالإضافة إلى العمل مع الشركات والمؤسسات المحلية والعالمية المتميزة، لتقديم منتجات وأدوات ذات محتوى احترافي، والاستفادة من خبراتها في التسويق السياحي بالمملكة. وفقًا للتنظيم الجديد، ستضع الهيئة الخطط الإعلامية الداعمة للتسويق السياحي، وتنفيذها داخل المملكة وخارجها، وعقد وتنظيم الملتقيات والمؤتمرات والمنتديات والمعارض السياحية داخل السعودية وخارجها، والمشاركة فيها بالتنسيق مع الجهات المعنية. وبعيدًا عن التنظيم الجديد، فأحد أهم التحديات التي نواجهها في تسويق وجهاتنا وتجاربنا السياحية على المستويين الإقليمي والدولي، يتمثل في عدم وجود رؤية إعلامية متخصصة، تتعلق بـ “الإعلام السياحي” فما زالت بعض صحفنا وقنواتنا تتعامل مع هذا الملف بصورة مجتزأة، نحن بحاجة إلى عملية قيصرية كبيرة لصناعة إعلام سياحي سعودي متكامل، وهو ما يتطلب تأهيلاً عالي المستوى، لأن دوره يتجاوز مفهوم الترويج إلى تعظيم الأثر الاقتصادي والاستثماري للقطاع.. دمتم بخير.