تُدرك جمعية «ترميم للتنمية» أن رؤية 2030 تسعى إلى إعادة تشكيل القطاع الثالث غير الربحي؛ ليُصبح دوره حجر زاوية في الناتج المحلي الإجمالي للمساهمة في تحقيق أهداف تنموية تتناغم مع أولويات الدولة، وما تقوم به «الجمعية» بمكة المكرمة، تأكيد على أنها جزء لا يتجزأ من الرؤية، فهي لا تُعيد تأهيل بناء المنازل فقط، ولكن قبل ذلك، تُعيد بناء الأمل..
في صُلب أي مشروع تنموي حقيقي، تكمن القدرة على معالجة الإشكاليات الاجتماعية بطرق مستدامة، لا تقوم فقط على الدعم المؤقت، بل تعيد تشكيل المشهد الاجتماعي والاقتصادي بشكل يُمكّن الأفراد من العيش بكرامة واستقرار، ومن بين القضايا التنموية التي لطالما احتاجت إلى حلول عميقة ومنهجية، تأتي أزمة تأهيل السكن المتهالك للأسر المتعففة محدودة الدخل، التي تعجز عن ترميم منازلها، فتجد نفسها عالقة بين ضغوط اقتصادية خانقة وبيئة سكنية غير آمنة، تُفاقم من هشاشتها المعيشية.
في خضم هذا الواقع المتشابك، تبزغ «جمعية ترميم للتنمية» في منطقة مكة المكرمة كنجمة فريدة في سماء المبادرات، حيث لم تكتفِ بمعالجة الأعراض السطحية للمشكلة، بل انطلقت بعزم نحو اقتلاع جذورها عبر حلول تنموية مستدامة، تُجسد التكافل الاجتماعي في أعمق تجلياته، ومنذ انطلاقتها عام 2022، اتخذت الجمعية مسارًا متكاملًا قائمًا على معادلة «ترميم المكان لتنمية الإنسان»، مدركةً أن تحسين المسكن ليس ترقية لمادة البناء، بل هو خطوة جذرية نحو رفع جودة الحياة للأفراد وتعزيز استقرارهم الاجتماعي والاقتصادي، وأيضًا النفسي، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية 2030.
إن قطاع الترميم السكني للأسر المتعففة من الجوانب التي لم تنل حظها الكافي من الاهتمام في المبادرات غير الربحية، على الرغم من كونه حاجة ملحّة لآلاف الأسر، ففي حين تميل الحلول التقليدية نحو البناء الجديد، يظهر الترميم كخيار أكثر كفاءة من حيث استغلال الموارد، وسرعة التنفيذ، وتحقيق الاستفادة القصوى من البنية التحتية المتاحة، وتُعد هذه الرؤية التنموية، عنصرًا أساسيًا يعزز جودة الحياة ضمن الإطار الأشمل لخطة التنمية المستدامة لمملكتنا الغالية.
وفقًا للتقارير الصادرة عن الجمعية، استطاعت خلال فترة قصيرة تأهيل 657 منزلًا، مستفيدةً من هذه الجهود أكثر من 3200 أسرة في سبع محافظات بمنطقة مكة المكرمة، وليست الأرقام فقط ما تستحق الذكر، بل قدرتها على إحداث تأثير مباشر ومستدام يُخلف أثرًا عميقًا في المجتمع بأسره، أضف إلى ما السابق، صناعة نجاح ملحوظً في تعزيز ثقافة «التطوع المتخصص» في الترميم السكني، حيث سجلت أكثر من 19 ألف ساعة تطوعية بفضل 707 من المتطوعين.
إن نجاح أي منظمة غير ربحية في تحقيق تأثير مستدام لا يعتمد فقط على جودة الخدمات المقدمة، بل يتوقف أيضًا على فعالية حوكمتها وشفافيتها، والجمعية هنا نموذج رائد في هذا المجال، حيث نجحت في مواءمة عملياتها مع المعايير العالمية، وحصلت على شهادة الآيزو، مما يُعتبر اعترافًا رفيع المستوى بجودة أدائها التشغيلي والإداري. فضلا عن ذلك، نالت ثقة رسمية كبيرة من خلال تكليفها بمجموعة من المشاريع الحكومية المتميزة في منطقة مكة المكرمة، مما يؤكد أن تميز أدائها يعزز من قدرتها على المنافسة في مجالات تنموية متنوعة تخدم الأسر الأكثر احتياجًا، وتلبي متطلبات المشاركة في مشاريع وطنية رائدة.
تتميز الجمعية المسجلة في المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي بنموذج مالي وتنظيمي قوي، يضمن استمرارية أعمالها بعيدًا عن الفوضى أو العشوائية، وهي تعمل على تعزيز مفهوم «القطاع الرابح»، حيث لم تعد الجمعيات كيانات مانحة أو متلقية للدعم، بل أصبحت مصدرًا لخلق قيمة اقتصادية واجتماعية مستدامة، وهي تعتمد هنا على معيارين أساسيين، هما: (الامتثال والالتزام) و(الشفافية والإفصاح) ولا يثير الدهشة أن مجلس إدارتها يتشكل من شخصيات ذات تاريخ ناجح في الاقتصاد الوطني وشغف بالمشاركة المجتمعية، وذلك ضمن إطار مؤسسي يعتمد الكفاءة في النتائج الاجتماعية.
تُعتبر الشراكات متعددة الأطراف أعمدةً أساسية تعتمد عليها الجمعية في استراتيجيتها، كما أشار رئيسها التنفيذي د. عبدالله آل دربه في تصريحات صحافية سابقة، ويعكس ملخص حديثه إدراك الجمعية أن العمل التنموي يتطلب تضافر جهود القطاعين الحكومي والخاص مع المجتمع المدني، وتوسيع نطاق التعاون المؤسسي لتعظيم تأثيرها وتقديم حلول متكاملة تلبي احتياجات الأسر المستفيدة، وإن هذه الرؤية المتعمقة التي طرحها الرئيس التنفيذي، نحن في أمس الحاجة إليها اليوم في القطاع غير الربحي المليء بالتحديات والفرص، وهي تعكس بجلاء آفاق تنموية استراتيجية، تفتح أبوابًا واسعة للإبداع في مشاريع الترميم.
تُدرك الجمعية أن رؤية 2030 الطموحة تسعى إلى إعادة تشكيل القطاع الثالث غير الربحي؛ ليُصبح دوره حجر زاوية في الناتج المحلي الإجمالي، مستهدفةً زيادة نسبة مساهمته من 0,2% إلى 5% بحلول عام 2030، للمساهمة في تحقيق أهداف تنموية تتناغم مع أولويات الدولة، وتُعد «ترميم للتنمية» مثالًا حيًا لهذه الرؤية، فهي تقدم حلولاً تلبي الاحتياجات الاجتماعية وتُعزز من النمو الاقتصادي عبر دفع عجلة الإنفاق على مشاريع الصيانة والبناء، ودعم قطاع المقاولات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز ممارسات الاستدامة في مجال البناء.
إن ما تقوم به «جمعية ترميم للتنمية» بمنطقة مكة المكرمة، تأكيد على أنها جزء لا يتجزأ من الرؤية، فهي لا تُعيد تأهيل بناء المنازل فقط، ولكن قبل ذلك، تُعيد بناء الأمل.. دمتم في خير.
10
مارس