الاستثمار في رأس المال البشري على المستوى الدولي لا يُحسّن فقط من نوعية حياة المواطنين والسكان عمومًا، بل يزيد من قدرة البلد على التنافسية في الاقتصاد العالمي، والمملكة على سبيل المثال، شهدت تقدمًا في هذا المجال من خلال تحسين أنظمتها التعليمية والتدريبية، ما ساعد في تعزيز مهارات القوى العاملة الرقمية ودعم التحول الرقمي..
من أهم الأسئلة الوطنية التي تدور رحاها هذه الأيام: كيف تفوقت السعودية رقميًا؟ وهو أمر طبيعي للجميع للمواطنين أو المقيمين أو الزائرين الذين استفادوا من تبعات ثورتنا الرقمية، التي أحدثتها بلادنا على آلاف الخدمات الإلكترونية، وأصبح إنجازها يتم بـ”ضغطة زر” وهو ما نفخر به، تزامنا مع “اليوم الوطني السعودي 94”.
ومن المهم قبل الإجابة عن جوهر السؤال السابق، الإشارة إلى الدور المحوري الذي لعبته هيئة الحكومة الرقمية، التي أنشئت قبل ثلاثة أعوام تقريبًا، في دعم التحول الرقمي وتحقيق أهداف رؤية 2030. فضلًا عن تعزيز الكفاءة الحكومية وتقديم خدمات رقمية متكاملة للمواطنين والمقيمين، وشملت جهودها تطوير البنية التحتية الرقمية في القطاعات الحكومية لضمان تقديم خدمات رقمية موثوقة وآمنة، بالإضافة إلى إشرافها على تحويل تلك الخدمات من التقليدية إلى الرقمية، مما يسهل وصول المواطنين والمستفيدين إلى الخدمات بشكل أسرع وأكثر كفاءة، ولا يمكن إغفال التشريعات والسياسات الرقمية؛ لضمان وجود إطار قانوني وتنظيمي مناسب يدعم الابتكار والتحول الرقمي، وهو ما أسهم في جعل المملكة واحدة من الرواد في التحول الرقمي على مستوى المنطقة والعالم.
وبرأيي أن أثر الجهود السابقة وغيرها، ظهر جليًا في النتائج التاريخية التي حققتها السعودية منذ إطلاق رؤية السعودية 2030 في “مؤشر الأمم المتحدة لتطور الحكومة الإلكترونية” (EGDI) وهو التقرير العالمي الوحيد الذي يُقيم علميًا حالة تطور الحكومة الإلكترونية في جميع الدول، كما أنه فرصة للدول لقياس أداء مبادراتها، لذلك يُعد مهمًا، كونه يتماشى مع أولويات التنمية الوطنية لكل دولة، ويعتبر أيضًا أداة مرجعية وتنموية، لقياس تقدم الدول رقميًا من خلال المتوسط الحسابي لثلاثة مؤشرات فرعية، منها مؤشر رأس المال البشري (HCI).
صحيح أن “السعودية تتقدم رقميًا”، من خلال القفز 25 مرتبة في المؤشر، وحصلت بذلك على المرتبة الرابعة عالميًا في الخدمات الرقمية، وهو ما جعلنا مرجعًا رئيسا للعالم في ممارسات الحكومة الإلكترونية (Benchmark)، لكن أحد مسارات هذا التفوق الرقمي -بالنسبة لمملكتنا- تقدمنا 31 مرتبة في مؤشر رأس المال البشري، وتحقيق المركز الأول عالميًا في المعرفة والمهارات الرقمية الحكومية، وهذا دليل على تشجيع الحكومة لبرامج التدريب والتأهيل الرقمي لتمكين المواطنين واستفادتهم من التقنية الحديثة.
فعليًا، يُعد رأس المال البشرى جوهر “الاقتصاد الرقمي السعودي”، من خلال التعليم والتدريب، وخلق قوة عاملة مؤهلة ومتخصصة تسهم في تحويل النشاط الاقتصادي من الإنتاج السلعي إلى الإنتاج الرقمي.
تقدم السعودية الملحوظ في مؤشر رأس المال البشري الرقمي (HCI) لعام 2024، مقارنة بالسنوات السابقة، جاء نتيجة الاستثمارات الكبيرة في تطوير البنية التحتية الرقمية والاتصالات، إلى جانب تعزيز القدرات البشرية عبر التعليم والتدريب في المجالات الرقمية، فضلًا عن جهود حكومتنا بالتعاون مع القطاع الخاص، التي ساهمت في دعم هذا التحول الرقمي، الذي يهدف إلى تحسين الكفاءة وزيادة الإنتاجية وتعزيز الابتكار، وهو أحد العناصر الفاعلة إلى المرتبة المتقدمة التي حصدناها عالميًا ولله الحمد.
وحتى نعي المفهوم بالشكل الديناميكي، فإن رأس المال البشري يشير إلى المهارات والمعرفة والخبرات التي يكتسبها الأفراد من خلال التعليم والتدريب، والتي يمكن تحويلها إلى إنتاجية أعلى وأداء أفضل في العمل، لذلك هو أحد أهم العوامل في النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، بل ويلعب دورًا حيويًا إلى جانب ما ذكرناه سلفًا، في تحقيق تنافسية عالية للدول في الأسواق العالمية.
أخيرًا، فإن الاستثمار في رأس المال البشري، على المستوى الدولي، لا يُحسّن فقط من نوعية حياة المواطنين والسكان عمومًا، بل يزيد من قدرة البلد على التنافسية في الاقتصاد العالمي، والمملكة العربية السعودية على سبيل المثال، شهدت تقدمًا في هذا المجال من خلال تحسين أنظمتها التعليمية والتدريبية، ما ساعد في تعزيز مهارات القوى العاملة الرقمية ودعم التحول الرقمي.. دمتم بخير.