وزارة الثقافة السعودية، ومن خلفها هيئة الأدب والنشر والترجمة، تقومان اليوم بدور “التسويق الثقافي والمعرفي” العابر للحدود، من خلال المشاركة في معارض الكتب الدولية –ومن ضمنها معرض سيئول بكوريا- وهي حاجة أساسية لتسليط رؤية العالم على ما نمتاز به في هذا الجانب المهم، ومشاركتنا تؤكد على مضامين الإستراتيجية الوطنية الثقافية المستمدة من رؤية السعودية 2030..
انتهيتُ خلال إجازة عيد الأضحى المُبارك، من قراءة كتاب “اللغة العربية في كوريا”، وهو إصدار حديث (2024) من تأليف ثلاثة مؤلفين كوريين، وهم: أ. د. أوميونغ كون، والدكتورة يون أون كيونغ، والدكتور كيم دونغ هوان، وجميعهم أساتذة في قسم اللغة العربية بكلية اللغات والثقافات الآسيوية في جامعة هانكوك للدراسات الأجنبية بجمهورية كورية، وهو من أجمل ما قرأت في هذا المسار، بل تفاجأت أنه قبل ثلاث سنوات تقريبًا احتفلت الجامعة ذاتها بمرور 50 عامًا على تأسيس أعرق قسم لتعليم اللغة العربية في كوريا، ولمن لديه الفضول المعرفي، فإن اهتمام الكوريين باللغة العربية، يعود إلى منتصف ستينات القرن الماضي (1965) وعندما حدثت أزمة البترول 1973م في العالم، ذهب الكثير من الكوريين للعمل في البلاد العربية، والمملكة العربية السعودية خاصة، من أجل فهم الثقافة والعمل المُشترك.
المقدمة السابق أجدها محورية، عند الكتابة عن اختيار مملكتنا الغالية كضيف شرف في “معرض سيئول الدولي للكتاب 2024” وهي مشاركة تُبرز الدلالات التواصلية بين البلدين، وهو الدور المحوري الذي تؤديه اليوم هيئة الأدب والنشر والترجمة –كجهة قائدة- بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة المُشاركة في الجناح السعودي.
القراءة التأسيسية لمشاركة المملكة في المعرض الكوري، ما هي إلا انعكاس فلسفي على “ديمومة العلاقة المعرفية الشاملة” بين بلادنا وبين كوريا، خاصة ضمن بناء “العلاقة الإستراتيجية الثقافية”، بل إن ذلك يتجلى في تزايد اهتمام السعوديين بالثقافة الكورية والعكس، خصوصاً فيما يتعلق بالأفلام والمسلسلات والعروض الموسيقية وصناعة النشر، ماذا يعني ذلك؟ يعنى أن وجودنا في هذا المعرض تحديدًا، يُعدُّ عنواناً لثقافتنا وتاريخنا، ونافذةً يطل منها العالم والجمهور الكوري ليتعرف على جذورنا التاريخية ومساهماتنا في بناء الحضارة الإنسانية بالعلوم والفلسفة والفنون المختلفة.
وزارة الثقافة السعودية، ومن خلفها هيئة الأدب والنشر والترجمة، تقومان اليوم بدور “التسويق الثقافي والمعرفي” العابر للحدود، من خلال المشاركة في معارض الكتب الدولية –ومن ضمنها معرض سيئول بكوريا- وهي حاجة أساسية لتسليط رؤية العالم على ما نمتاز به في هذا الجانب المهم، ومشاركتنا تؤكد على مضامين الإستراتيجية الوطنية الثقافية المستمدة من رؤية السعودية 2030، خاصة أننا كسعوديين نملك البنية التحتية التي تدفعنا إلى تصدير مفاهيمنا الإنسانية في مختلف القطاعات الثقافية المتنوعة، حيث يُسهم ذلك في إبراز الصورة الذهنية المعرفية لبلادنا من منطلق وحضاري، وتقديم رحلة استثنائية تُجسّد غنى وتنوع ثقافتنا السعودية الثرية، والتي يحتاج العالم إلى التعرف عليها، ومعارض الكتب خير منصة لتحقيق ذلك.
ومن مسائل المشاركة السعودية المطروحة في معرض سيئول وغيرها من معارض الكتب الدولية الأخرى، أننا نجحنا بفضل الله، في تأسيس تلاقح الأفكار مع شعوب العالم، وتحقيق التعارف والالتقاء بين القائمين على المؤسسات المعنيّة بالنشر، ناهيكم عن كونها تشكّل صلة وصل بين الكتّاب والأدباء والمفكرين من جهة، وبين الآلاف من الناس الراغبين في الاطلاع على نتاجها الفكري والمعرفي، وتعريفهم أيضًا على أفقها في تعزيز الانفتاح والتواصل مع مختلف الثقافات.
أخيرًا.. فإن من أهم المكتسبات التي أراها تحققت في مشاركتنا بـ”معرض سيئول الدولي للكتاب 2024″ لا تنحصر في تعميق التفاهم والتعاون المشترك في مجالات الأدب والثقافة والفنون بين السعودية وكوريا فحسب، بل تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، والتي يمكن بلورتها في تعزيز الحوار الثقافي والمعرفي والعلاقات التاريخية بين بلدينا، والتي امتازت طوال 6 عقود بالتوافق في جميع المجالات، ومنها الجوانب المتعلقة بالثقافة ومفهومها الحضاري الواسع، وتقديم صورة مشرقة عن الحضارة العربية العريقة، وتعريف الجمهور الكوري بالإنتاج الفكري السعودي والمواهب الوطنية المُبدعة، ودعم صناعة الكتاب والنشر، وعرض أحدث إصدارات الكتب السعودية في مختلف المجالات، وإتاحة الفرصة للناشرين السعوديين للتواصل مع نظرائهم الكوريين، من خلال عروضٍ متنوعةٍ لفنون الطهي والموسيقى والأزياء والتراث السعودي، لتقدّم صورةً متكاملةً عنها.. دمتم بخير.