من الطبيعي أن يسعى كل بلد إلى تعزيز قدرته التنافسية أمام الآخرين، من أجل أن يضمن نموه الاقتصادي الضروري لتنميته ولخلق فرص العمل لمواطنيه، وتمويل سياساته الاجتماعية في مجالات التعليم والصحة وغيرهما..
يمكن إدراك مستوى القدرة التنافسية لأي بلد بشكل أساسي بمعرفة حصته من الصادرات العالمية، ومعدل نمو نصيب الفرد من ناتجه المحلي الإجمالي. إلا أن المؤشرات التي طورتها عدة جهات لقياس القدرة التنافسية مثل المنتدى الاقتصادي العالمي، والمعهد الدولي لتنمية الإدارة، والبنك الدولي، والمعهد العربي للتخطيط، تعتمد العوامل المحددة للقدرة التنافسية في بناء مؤشراتها، ولا تكتفي بالنتائج التي تلمس من خلالها مباشرة هذه القدرة التنافسية.
ومن المنطلق السابق عملت المملكة العربية السعودية خلال السنوات القليلة الماضية -وتحديدًا منذ تأسيس المركز الوطني للتنافسية في عام 2019 ويرتبط تنظيمياً بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية- على تحسين البيئة التنافسية في بلادنا وتطويرها، ونقلها من مرحلة تيسير بيئة الأعمال إلى التنافسية العالمية بمفهومها الأشمل المرتكز على الإنتاجية والاستدامة والشمولية؛ لمواكبة التوجهات العالمية، وتحفيز القطاع الخاص على تبني الممارسات البيئة والاجتماعية والحوكمة.
ومن الأدوار التي يعمل عليها المركز اليوم، هو الارتقاء بترتيب المملكة في المؤشرات والتقارير العالمية ذات العلاقة، وذلك من خلال دراسة المعوقات والتحديات التي تواجه القطاعين العام والخاص وتحديدها وتحليلها، واقتراح الحلول والمبادرات والتوصيات ومتابعة تنفيذها، وإطلاق جيل جديد من الإصلاحات التشريعية والإجرائية، وذلك للإسهام في انتقال الاقتصاد إلى مرحلة الإنتاجية والتنافسية العالمية.
ومن الطبيعي أن يسعى كل بلد إلى تعزيز قدرته التنافسية أمام الآخرين، من أجل أن يضمن نموه الاقتصادي الضروري لتنميته ولخلق فرص العمل لمواطنيه، وتمويل سياساته الاجتماعية في مجالات التعليم والصحة وغيرهما. اطلعت على النشرة الربعية الصادرة عن المركز الوطني للتنافسية للربع الرابع من العام 2023، والتي أنصح المهتمين بقراءتها لفهم ملامح التنافس السعودي على المستوى العالمي، لإدراك الجهد المؤسسي الكبير المبذول من الجهات المعنية لأن تكون المملكة في مصاف الدول العشر الأكثر تنافسية عالمياً بحلول العام 2030، من خلال التركيز على الاستثمار، وريادة الأعمال، والابتكار والإنتاجية.
وما يدعم تقدم مؤشر التنافسية في المملكة، ما أشار إليه تقرير التنافسية الرقمية العالمية الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD)، من تقدم بلادنا خمس مراتب في نسخة 2023، وحصلت على المرتبة الـ30 عالميًا من أصل 64 دولة، وهو الترتيب الأعلى للسعودية منـذ بدء صدور تقرير “التنافسية الرقمية” عام 2017. وفي المؤشرات الفرعية، حققـت المملكـة مراتـب متقدمـة عالميـاً فـي عـدد مـن المؤشـرات الفرعيـة المندرجـة تحـت المحـاور الرئيسـة والفرعيـة، ومنهـا: حازت في محور المعرفة على المرتبة السادسة عالمياً في المهارات الرقمية والتقنية، والسابعة عالمياً في الخبرات الدولية. وفي محور التقنية احتلت المرتبة الأولى عالميًا في تمويل التنمية التقنية، والثانية عالمياً في تطوير وتطبيق التقنية، والثالثة عالمياً في رأس المال الجريء. وفي محور الجاهزية للمستقبل، حلت الأولى عالمياً في دعم شراكات القطاعين العام والخاص للتطوير التقني، والثانية عالمياً في الأمن السيبراني، والثالثة عالمياً في نسبة حيازة الهواتف الذكية، والسابعة عالمياً في استخدام البيانات الضخمة والتحليلات. ومن المهم ونحن نناقش موضوع التنافسية التعريج على أبرز الإصلاحات التي نفذت العام الماضي (2023)، ومنها: تسهيل عمليات الاستيراد من خلال تمكين وسطاء الشحن من تجزئة الشحنات الواردة، ومواكبة أفضل الممارسات العالمية في مجال خدمات الشحن الجوي من خلال السماح بتجميع وتجزئة البوالص في المطارات السعودية، فضلًا عن زيادة عمليات المسافنة وإعادة التصديـر من خلال رفع مستوى الترابط الدولي للنقل البحري، وذلك بزيادة أعداد الخطوط الملاحية من وإلى الموانئ السعودية بواقع 23 خطاً وخدمة ملاحية، وإطلاق منصة البيانات الاقتصادية التي تهدف إلى توفير البيانات والمؤشرات الإحصائية لتمكين الباحثين والمهتمين مــن الاطلاع على أبرز البيانات الاقتصادية ذات الصلة بالمملكة، وتطوير الموانئ الذكية من خلال اتفاقيات الشراكة مع عدد من الموانئ العالمية الرائدة، ومنها ميناء روتردام الدولي، بما يسهم في دعم التنويع الاقتصادي، وترسيخ بيئة استثمارية أكثر تنافسية وجاذبية، وتعزيز الفـرص والعلاقات التجاريـة، إلى جانب تبادل الخبرات والمعرفة.. دمتم بخير.