في أكتوبر الماضي (2023) تابعت مخرجات “المنتدى العربي للتقنية المالية”، وكان من أبرزها استمرار نمو قطاع التقنية المالية في المنطقة خلال السنوات المقبلة، وسيتجه تركيز الشركات الناشئة إلى تطوير منتجات وخدمات جديدة، في مجالات التمويل الشخصي والتجاري والتأمين والدفع. وأظهرت بيانات صندوق النقد الدولي، أن حجم تمويل المشروعات في مجال التقنية المالية في المنطقة نما من 587 مليون دولار في 2021 إلى 925 مليون دولار في 2022، بزيادة قدرها 58 %، متوقعًا ارتفاع إيرادات التقنية المالية من 1.5 مليار دولار في 2022 إلى ما بين 3.5 و4.5 مليارات دولار بحلول 2025 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباكستان.
اتخذت المملكة خطوات مهمة نحو تطوير قطاع التقنية المالية، ففي مايو 2022، أطلقت الإستراتيجية الوطنية للتقنية المالية، والتي تعمل كركيزة ضمن برنامج تطوير القطاع المالي – أحد برامج رؤية السعودية 2030 – وهي تأتي استكمالًا للنجاحات التي تحققت في القطاع منذ السنوات السابقة، وهي تهدف إلى أن تكون موطنًا للتقنية المالية، وإحدى الدول الرائدة فيه، كما تسعى إلى زيادة عدد شركات التقنية المالية العاملة فيها إلى 525 شركة بحلول 2030، ودعم الناتج المحلي بـ13.3 مليار ريال سعودي، وخلق 18 ألف فرصة وظيفية، وبلوغ 12.2 مليار ريال سعودي كقيمة تراكمية لاستثمار المال الجريء.
وبحسب التقرير السنوي للتقنية المالية في عام 2022، والصادر عن “فنتك السعودية”، يوجد في بلادنا 147 شركة تقنية مالية نشطة، بزيادة قدرها 79 ٪ عن عام 2021، وهو نمو متصاعد، يؤكد على أن البيئة مهيأة تمامًا لبناء مستقبل التقنية المالية المنشودة، خاصة في ظل وجود خطط طموحة تتعلق بالتوسع في شركات التقنية المالية؛ لتنمية اقتصادنا الوطني، وتنويع مصادر الدخل، وتمكين المؤسسات المالية من دعم نمو القطاع الخاص، وجذب الاستثمارات الخارجية.
الجديد في هذا الملف، هو “التفعيل الإستراتيجي” لـ”الفنتك السعودي”، بالنسبة لرواد الأعمال الناشئين بقطاع التقنية المالية، وهي خطوة سيكون لها ما بعد في السنوات المقبلة، ويتبلور ذلك إطلاق برنامج “مكّن” حديثًا والمدعوم من البنك المركزي السعودي وهيئة السوق المالية، بمتابعة وتنفيذ من مبادرة “فنتك السعودية”، وهو برنامج مُخصص لتمكين الشركات الناشئة في مجال التقنية المالية، وذلك عن طريق توفير خدمات تقنية ونوعية مدعومة في مجالات “الأمن السيبراني” و”الحوسبة السحابية” و”مساحات العمل المُشتركة”.
التساؤل المطروح هنا: ماذا يعني إطلاق “مكّن”؟ تكمن الإجابة في أن الأساسيات الجوهرية للبرنامج هو العمل في مساعدة رواد الأعمال الناشئين بأنشطة التقنية المالية وتجاوز التحديات التي تواجههم قبل نضوج أعمالهم، كالإلمام الكامل بالأنظمة واللوائح المفروضة، وتكاليف نماذج الأعمال الناشئة للتوافق مع أعلى تقنيات الحوسبة السحابية، والتكاليف المتعلقة بالأمن السيبراني لضرورة الالتزام بأعلى المعايير الوطنية ذات العلاقة لحفظ وحماية البيانات المالية للعملاء، إضافة إلى التكاليف المصاحبة لتأسيس الشركات الناشئة ومنها تكاليف مساحات العمل.
إلا أن الأمر النوعي في هذا البرنامج فضلًا عن تقديم الدعم غير المباشر لشركات التقنية المالية الناشئة، وتوفير التقنيات المتقدمة، يبرز في دخول عدد من الكفاءات الوطنية للقطاع، وبناء خبراتهم النوعية في مجالات نادرة وذات متطلبات تقنية عالية، وهو ما سيوسع مستقبلًا من قدرة المملكة ونفوذها على خارطة “اقتصادات التقنية المالية”، التي باتت تُشكل جوهر الاقتصادات المعاصرة. ولفهم جوهر الدعم المقدم من البرنامج، فإنه سينعكس بشكل مباشر في خلق مفهوم جديد لنماذج أعمال التقنية المبتكرة، خاصة أن أسواقنا المالية السعودية تتمتع بكافة المقومات التي تؤهلها للتوسع والنمو، بما في ذلك دعم الجهات التنظيمية، والتعاون مع الشركات القائمة الحالية، وقوة الطلب، ورغبة المستثمرين في تحفيز الابتكار، فبلادنا تشهد اليوم العديد من اتجاهات الابتكار التي يتوقع زيادتها بالمستقبل في ظل توفر الأسس المناسبة وزيادة الإقبال على التقنيات الذكية الحديثة، وبالتالي تحقيق أهداف الركيزة الثانية من برنامج التطوير المالي والمتمثل في “تأسيس سوق مالية متطورة”، وتعزيز مكانة مملكتنا في الاقتصاد العالمي لتصبح أحد المساهمين الرئيسيين في نموه.. دمتم بخير.