مازال “البودكاست الإخباري” مستمراً في الانتشار بين فئات المتعلمين والشباب، لكنهم لا يزالون أقلية، فمن بين نسبة 34 % من الجمهور الذي يستمع لبودكاست واحد على الأقل شهرياً، فإن 12 % فقط منهم يستمعون لبودكاست إخباري، لكن اللافت أن برامج البودكاست الإخبارية المعمّقة هي الأكثر استهلاكاً مع ظهور نمو في استهلاك بودكاست الفيديو..
“الصناعة الإخبارية” كغيرها من الصناعات الإنسانية المختلفة، تمر هي الأخرى بمتغيرات كثيرة لا تؤثر على سياقها المهني فقط، بل حتى على نوعية منتجاتها الاتصالية، ومدى تقبل الجمهور لها، خاصة من الشريحة الأصغر سنًا، التي أعتقد أنها نظرًا لارتفاع الديموغرافية السكانية الشابة في بعض المجتمعات، ستغير على المديين القريب والمتوسط دلالات المشهد الإخباري عالميًا، ومنطقتنا وبلادنا ليست بدعًا من ذلك. لتوي انتهيت من قراءة تقرير الأخبار الرقمية لعام 2023 الصادر عن “معهد رويترز لدراسة الصحافة”، الذي لم يدق ناقوس الخطر فقط كما يتوهم بعض الصحافيين المخضرمين، بل أفرز لنا واقعًا جديدًا على مستوى صناعتنا الإخبارية، لذلك يلزم على مؤسساتنا الصحافية والإعلامية السعودية دراسته النتائج بدقة متناهية، وصياغة إستراتيجية ناجعة، إذا ما أردنا البقاء في سوق المنافسة الذي سيتغير كليًا، والأيام المُقبلة حُبلى بالمفاجآت.
تقرير رويترز باختصار (160 صفحة)، شرّح المشهد الإعلامي، وعرض تأثير الانكماش الاقتصادي والتضخم وتجنب الأخبار على إيرادات القراء، فضلًا عن استكشافه لاهتمامات الجمهور، وفهم نمط استهلاك الشباب للمحتويات الإخبارية، فضلًا عن رصد الاتجاهات والرؤى، كصعود عنصر الفيديوهات الإخبارية على غيرها من المنتجات الأخرى.
ما يميز هذا التقرير الثري أنه جمع بياناته من 6 قارات و46 سوقًا صحفيًا وإعلاميًا بمشاركة 93 ألف مستهلك للأخبار عبر الإنترنت. صحيح أن الأسواق العربية كانت خارج إطار صانعي التقرير، إلا أنه وبحكم التشابهات المهنية يمكن إسقاط العديد من النتائج على سوقنا الإعلامي الوطني والعربي على حد سواء، خاصة أن الشباب يمثلون النسبة الأكبر في الديموغرافية السعودية السكانية، ناهيك عن تفاعلهم مع المحيط التواصلي الاجتماعي بفاعلية نشطة جدًا.
بعد الحيثيات السابقة، سأبدأ في سرد بعض النتائج التي أرى أنها تهم مؤسساتنا الإعلامية السعودية من قريب أو بعيد، إذ إن النتائج الواردة في تقرير رويترز المتعمق، يمكن أن تشكل لبعضها –كما ذكرت سابقًا- نواة تحرك لفهم الطبيعة المستقبلية للمشهد الإخباري.
ومن النتائج: في المنصات الشبابية، مثل: تيك توك وانستغرام وسناب شات، يهيمن المشاهير ومؤثرو منصات التواصل الاجتماعي كمصدر أساسي للأخبار، بدلًا من الصحفيين والمؤسسات الصحفية، على عكس منصات، مثل: فيسبوك وتويتر؛ حيث يبقى الصحفيون والمؤسسات الصحفية المصدر الأول لتلقي الأخبار من قبل مستخدميها.
أصبحت منصة تيك توك هي الأسرع نموًا لا سيما بين الشباب؛ إذ يستخدمها اليوم 44 % من المستخدمين ضمن الفئة العمرية 18-24، 20 % منهم من يستخدمها لتلقي الأخبار. ولا يعني تراجع نسبة جمهور منصات الإعلام التقليدية، مثل: التلفزيون والصحافة المطبوعة؛ بسبب انتقال كثير من الجمهور لمتابعة الأخبار رقميًا، بل إن نسبة ممن خسرتهم الصحافة التقليدية قد قرر الابتعاد كُليًا عن متابعة الأخبار، فــ 48 % فقط من الجمهور يقولون إنهم مهتمون بشدة بمتابعة الأخبار مقارنة بنسبة 63 % عام 2017.
وفيما يتعلق بمشاركة الجمهور وتفاعله مع الأخبار، حدث انخفاض كبير في النسب؛ إذ تبين أن 22 % فقط من الجمهور يشاركون بشكل نشط مع الأخبار، فـ31 % يتفاعلون عبر قراءة الأخبار ووضع الإعجابات، أو إعادة نشرها، فيما لا يتفاعل 47 % من الجمهور مع الأخبار مطلقًا. يُظهر التقرير أن غالبية مستخدمي المنصات الرقمية من عينة التقرير ما يزالون يفضلون قراءة الأخبار بدلًا من مشاهدتها أو الاستماع إليها باعتبار أن القصة الصحفية المكتوبة تجعلهم قادرين على الوصول للمعلومات التي تهمهم بشكل أسرع.
أخيرًا.. مازال “البودكاست الإخباري” مستمراً في الانتشار بين فئات المتعلمين والشباب، لكنهم لا يزالون أقلية، فمن بين نسبة 34 % من الجمهور الذي يستمع لبودكاست واحد على الأقل شهرياً، فإن 12 % فقط منهم يستمعون لبودكاست إخباري، لكن اللافت أن برامج البودكاست الإخبارية المعمّقة هي الأكثر استهلاكاً مع ظهور نمو في استهلاك بودكاست الفيديو.. دمتم بخير.