وجود بودكاست “1949” في تصوري مهم للغاية للمنظومة الثقافية الشاملة، خاصة أن وزارة الثقافة تسعى منذ إطلاق الاستراتيجية الوطنية للثقافة إلى تعزيز الهوية والمحافظة عليها، ويعتبر إنشاؤها جزءاً من الإصلاح، سيؤدي إلى نهوض الثقافة، ويكون قوة وحضوراً للمملكة عربياً ودولياً.
في تصوري أن الخارطة الإعلامية لصناعة “البودكاست” في المملكة العربية السعودية، أصبحت اليوم أكثر ديناميكية من غيرها، فمنذ بزوغ فجر هذه الوسيلة المؤثرة، وإعلامنا السعودي يعيش حيوية -رغم تحفظي على بعضها لعوامل مهنية وفكرية- وهو مؤشر إيجابي غاية في الأهمية.
خلال العطلة الأسبوعية استمتعت بحلقة نوعية لم تتجاوز 28 دقيقة، عن “الشعر ما قبل الإسلام”، قدمت على منصة بودكاست “1949” التابع لوزارة الثقافة، والتي أبدع فيها الناقد والأديب الدكتور أحمد الشهري، بإيضاح هذه المسألة منطلقًا من أن شعر ما قبل الإسلام ارتبط بـ”المعلقات”، وهو مكون عظيم في حضارتنا وثقافتنا العربية، كما أجابت الحلقة على عدد من الأسئلة المركزية المتعلقة بذلك، منها: هل هناك معايير تقسيم طبقات الشعراء غير جودة الشعر؟ وما سمات شعر ذلك الوقت؟ وما الذي يدفعنا للاستمرار في قراءتها؟ وكيف يمكننا أن نسلك طريقًا لفهم الشّعر على الرّغم من وعورة المفردات؟ وهل هنالك تقاطعات لشعراء ما قبل الإسلام وشعراء العصر الحديث؟
وجود بودكاست “1949” في تصوري مهم للغاية للمنظومة الثقافية الشاملة، خاصة أن وزارة الثقافة تسعى منذ إطلاق الاستراتيجية الوطنية للثقافة إلى تعزيز الهوية والمحافظة عليها، ويعتبر إنشاؤها جزءاً من الإصلاح، سيؤدي إلى نهوض الثقافة، ويكون قوة وحضوراً للمملكة عربياً ودولياً.
نظرة عامة على عناوين الحلقات التي قدمها البودكاست سيعطي أي متابع المنهجية والخط التحريري الرصين الذي يسير عليه، فضلًا عن انتقاله من مربع “النخبوية” إلى مربع عموم الرأي العام، وهذا في ظني أحد أسباب تراكمية نجاحه، ومن أمثلة عناوينه: الفنون الصخرية، والمناخ والعادات، والنابغة الذبياني، والأطباق السعودية، والمتاحف (الخزينة الثقافية)، الورد الطائفي، المسرح السعودي، الأصالة والابتكار في المطبخ السعودي، القهوة السعودية.
قصة بودكاست “1949”، هو عبارة عن تدوين صوتي قصصي وثائقي من وزارة الثقافة، نجح في ابتكار أسلوب جديد للوثائقيات الصوتية من خلال سرد القصص واستعراض الخبراء والفنانين ليُسهم في إثراء المحتوى الثقافي، ورفع الوعي بالإرث الثقافي الوطني، وما تزخر به مملكتنا من تنوع وثراء في فنونها وتراثها إلى جانب إلهام المستمعين بقصص تعرّف بالثقافة السعودية.
وجاء اسم البودكاست “1949” من العام الذي صدر فيه مرسوم ملكي وضع الإطار العام للإذاعة في المملكة العربية السعودية، حيث مثل ذلك العام نقطة البداية للإذاعة السعودية، لذلك يسعى لأن يكون نقطة أساسية في مواكبة المشهد الثقافي السعودي، والتعبير عن قضاياه وتطوراته لحظة بلحظة.
وعلى الرغم من أن انطلاقه كان في يناير 2022 أي قبل نحو سنة وسبعة أشهر تقريبًا، إلا أن كتابتي عنه ربما جاءت متأخرة بعض الشيء، ويعود ذلك لأسباب عديدة، منها: رغبتي في استكشاف اتجاهات هذه التجربة الثقافية الصوتية المتنوعة، فضلًا عن مآلاتها وخطابها الإعلامي، خاصة أنها تُعنى بالموضوعات الثقافية، ومناقشتها بأسلوب مُبسط ووفق قوالب متنوعة، الأمر الذي يساعدنا في إيضاح الصورة المعاكسة لما يدور في القطاع الثقافي السعودي بمختلف قطاعاته الفرعية الستة عشر، ففي كل حلقة من حلقاته يتناول بودكاست “1949”موضوعاً ينتمي لواحد من هذه القطاعات، ويناقشه مع ناقد متخصص، فعلى سبيل المثال تناولت أولى حلقاته السينما وصناعة الأفلام، تحت عنوان “لماذا نتأثر بالأفلام”، والذي تحدث فيها عن الأدوات التعبيرية الفائقة التي تملكها الأفلام والتي تجعلها قادرة على التأثير في الجمهور والاستحواذ على مشاعره وانفعالاته.
الدلالة التي يقدمها البودكاست كأحد المنتجات الرقمية التي تقدمها وزارة الثقافة، هو توفيره لمساحة مهمة تسمح للنقاد السعوديين بتقديم أفكارهم عبر منصة مرموقة توفر للجمهور من كل الشرائح محتوى ثقافياً رصيناً يغطي كافة اتجاهات النشاط الثقافي في المملكة.. دمتم بخير.