من الحيثيات الوطنية المهمة التي من المهم على الرأي العام استيعابها، ما قامت به وزارة النقل والخدمات اللوجستية بالتحوُّل من عقود الصيانة إلى عقود أداء من خلال خطة تحوُّل تفصيلية لتطبيق هذه العقود، والعمل على برنامج لإدارة التغيير مع أصحاب المصلحة كافة، ودمج وإعادة هيكلة العقود لتحقيق أقصى قدر من الكفاءة، فضلًا عن وضع آلية جديدة للتعامل مع الصيانة التصحيحية عبر أسلوب الشراء بالاتفاقية الإطارية.
السؤال الذي من المهم طرحه هو: لماذا بادرت الوزارة بهذه المبادرة؟ الإجابة باختصار من أجل تلافي الاعتماد على أساليب أقل كفاءة وفاعلية ومستوى خدمة، ولعدم تكبدها مصروفات إضافية، الأمر الذي دفعها إلى إبرام هذه العقود؛ للارتقاء بجودة مشروعاتها ضمن خططها في فرض نظام الدفع على أساس الكمية بوصفه حلًّا متكاملًا في خطط وزارة النقل الاستراتيجية.
ولمعالجة هذا الموضوع برُمَّته، رفعت الوزارة مستوى تحولها الطموح، من خلال تحويل عقود تشغيل وصيانة الطرق الحالية البالغ عددها 112 عقدًا (تغطي أكثر من 75000 كم) إلى عقود صيانة مبنية على أساس الأداء، لتصبح فعليًّا أول وزارة سعودية تستخدم هذه العقود.
وتُعنى العقود المبنية على أساس الأداء بترتيب تعاقدي يهدف إلى تعزيز كفاءة الإنفاق في تكاليف الخدمات والمحافظة على أصول البنية التحتية، والعمل للحصول على النتائج المأمولة تحقيقًا لمستهدفات رؤية المملكة 2023، إضافةً إلى تأمين ترابط جميع المدن والمحافظات بشبكات طرق متطورة تصب في مصلحة الوطن والمواطن، فضلًا عن رفع كفاءة التشغيل واستدامة فعاليتها وإطالة عمرها الافتراضي وتحسين تجربة المستخدم، ويتم التعبير عنها عبر توقعات الأداء والأهداف العامة التي يتعين على المقاول تحقيقها؛ وبالتالي إن هذه العقود قائمة على مجموعة من مؤشرات قياس الأداء المتفق عليها التي يرتبط مستوى تحقيقها بمستحقات المقاول بالحوافز المالية والغرامات، وليس ذاك فحسب، بل ترتبط مستحقات المقاول المالية بكفاءته وقدرته على تحقيق الأهداف.
ولم تكتفِ الوزارة بوضع خطة تحول تفصيلية لتطبيق عقود الأداء، وكتابة المواصفات والمعايير الفنية الجديدة، بل حددت آلية جديدة للتعامل مع الصيانة التصحيحية، وكيفية دمج وإعادة هيكلة العقود لتحقيق أقصى قدر من الكفاءة، وكجزء من تجهيز القطاع الخاص، عقدت له العديد من ورش العمل شُرِح فيها التحول وآلياته وصولًا إلى مرحلة التعاقد، وهو ما آتى ثماره، والمتمثل في نموذج تعاقدي هجين يجمع بين العقود المبنية على أساس الأداء للخدمات والاتفاقية الإطارية للصيانة التصحيحية؛ لضمان جودة المخرجات وتحقيق أفضل قيمة للمال.
تبلغ الأرقام المبدئية في عقود الصيانة المبنية على أساس الأداء للصيانة الروتينية للطرق نحو 3.5 مليارات ريال شاملةً الضريبة، وبالمقارنة مع قيمة العقود التقليدية السابقة التي تبلغ 4.2 مليارات ريال، حيث شكَّلت ضريبة القيمة المضافة منها 5 %، ماذا يعني ذلك؟ يعني هذا أن العقود بشكلها الجديد حققت أثرًا ماليًّا من التكلفة الفعلية يبلغ المليار ريال بنسبة انخفاض في التكلفة تجاوزت 22 %، وهذا الأثر المالي المبدئي دون احتساب أثر التضخم وارتفاع أسعار المواد الأولية.
من النتائج الإيجابية في تحركات الوزارة تقليص عدد العقود إلى 62 عقدًا عوضًا عن 112 عقدًا، بناءً على مخرجات استراتيجية دمج وتقييم العقود حسب نوع الطريق وطوله وعدد العقود الحالية داخل كل منطقة؛ بهدف الاستفادة من حجم الشراء، وزيادة كفاءة إدارة العقود، وتقليل تكلفة الشراء، وزيادة المنافسة.
وبرأيي أن توجُّه وزارة النقل والخدمات اللوجستية، ما هو إلا ترجمة للاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية التي انبثقت لتحقيق الطموحات العالية لهذا القطاع المهم، من خلال تحديد المبادرات ذات الأهمية وتمويلها، مما يُحقق مستهدفات رؤيتنا الطموحة.
أخيرًا، فإن التحول الذي قامت به وزارة النقل والخدمات اللوجستية، في التحول إلى عقود الأداء لصيانة الطرق، أهلها للحصول على جائزة فئة أفضل مشروع حكومي في سنة 2022، من قبل منظمة “CIPS” العالمية، وهي حدث نهنئ فيه الوزارة على هذا التكريم المُستحق.. ودمتم بخير.