إنّ الأفكار من تصنع المستقبل وتؤسس لقواعده الجديدة؛ لذلك تتعاظم يومًا بعد آخر أهمية الملكية الفكرية بالنسبة للاقتصاد العالمي بشكل عام، والاقتصاد السعودي على وجه الخصوص، وهو ما ستحققه الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية..
يعتقد البعض أن الملكية الفكرية عبارة عن تشريعات وقرارات ليس لها أثر على تحقيق التنمية المُستدامة أو التقدم في مختلف المجالات، خاصة الاقتصادية منها، ومن ينظر للحالة على هذه الزاوية فعليه أن يُعيد النظر في الأمر برمته، فالملكية الفكرية تشير إلى إبداعات العقل من اختراعات، ومصنفات أدبية وفنية، وتصاميم وشعارات وأسماء وصور مستخدمة في التجارة، وهي محمية قانونًا بحقوق منها ومن ذلك: البراءات، وحق المؤلف، والعلامات التجارية التي تمكّن الأشخاص من كسب الاعتراف أو فائدة مالية من ابتكارهم أو اختراعهم.
وأهم ما يرمي إليه نظام الملكية الفكرية، هو إرساء التوازن السليم بين مصالح المبتكرين ومصالح الجمهور العام، إلى إتاحة البيئة التي تساعد على ازدهار الإبداع والابتكار، وهي النقطة المركزية الأهم في الموضوع الذي أصبح يُشكل فعليًا أحد أبعاد الأمن القومي الاقتصادي الإبداعي للدول من دون استثناء.
ومن المهم الإشارة إلى الدور الذي تقوم به الهيئة السعودية للملكية الفكرية على المستوى الوطني، من حيث تنظيم مجالات الملكية الفكرية، وحماية حقوق المالكين في شتى المجالات، والتوعية بأهمية هذا الاختصاص وصلته ببناء الوطن والأنظمة واللوائح وعقد الاتفاقات الدولية.
أضحى تجذير الملكية الفكرية مسؤولية وطنية شاملة؛ لأنها ترتبط بتقدم بلادنا الدولي في المجالات الابتكارية والإبداعية غير النفطية، مستندين في ذلك على شمولية وطموح رؤية المملكة 2030 الطموحة؛ وهنا يتبلور دور الهيئة السعودية للملكية الفكرية في تشجيع الابتكار والإبداع، والعمل على توعية المجتمع بأهمية احترام الملكية الفكرية، بما فيه الأجيال الجديدة.
في ثنايا الطرح، ربما يتساءل البعض: هل التوعية المجتمعية بالملكية الفكرية مسألة مهمة للوطن؟، الإجابة بالتأكيد “نعم”، لذلك يحتاج الأمر إلى تنشئة منهجية للأجيال القادمة على احترام حقوق الملكية الفكرية، من أجل تأسيس مستقبل قائم على الإبداع والابتكار.
وفي هذا السياق نؤكد على أهمية الخطوة التي سيكون لها – بمشيئة الله – انعكاسات إيجابية على المستوى الوطني، وهو الاتفاق الذي تم في (نوفمبر 2022) بين وزارة التعليم والهيئة السعودية للملكية الفكرية، والمتعلق بإدراج موضوعات عن الملكية الفكرية في مناهج التعليم العام؛ بحيث يتم تضمينها في الكتب المدرسية المختلفة، مع مراعاة المراحل العمرية للطالب، ومستوى قدراته واستعداداته، وتوازنه الفكري والعلمي، بجانب التسلسل المنطقي للموضوعات، والاتفاق على تدريب وتأهيل المعلمين والمعلمات وتزويدهم بأحدث طرق ومناهج الملكية الفكرية، وذلك بالتعاون مع خبراء عالميين وسعوديين، بهدف تقديم أفضل الممارسات في طرق تدريس الملكية الفكرية في مناهج التعليم العام.
إن إدراج مناهج أو موضوعات عن الملكية الفكرية في مراحل التعليم العام المختلفة؛ يُعد مبادرة متقدمة ومتطورة نحو تغيير استراتيجي في شخصية الطالب السعودي، لتوجيه تفكيره نحو الابتكار والإبداع؛ لأن الشباب هم القوة الإيجابية للتنمية القادرون على الازدهار عندما يتم تزويدهم بالمعرفة والفرص المطلوبة، فهم المبتكرون والمبدعون ورواد الأعمال للغد.
ولتحقيق بُعد استراتيجي لهذا الأمر، أطلقت المملكة الإستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية مؤخرًا؛ للتأكيد على أهمية تنمية المهارات الإبداعية والمواهب المتميزة في مجال الملكية الفكرية، وتأسيس جيل واعٍ يحترم حقوق الملكية الفكرية، من خلال تنمية مهارات المبتكرين الإبداعية والمواهب المتميزة عبر إشراكهم في تجارب اختراعات عملية؛ بهدف تعزيز مستويات التفكير المتعددة وتحسين عملية الإبداع من خلال مقررات مدروسة تُعنى بالاختراعات في كافة المراحل الدراسية.
باختصار.. فإن الأفكار من تصنع المستقبل وتؤسس لقواعده الجديدة، لذلك تتعاظم يومًا بعد آخر أهمية الملكية الفكرية بالنسبة للاقتصاد العالمي بشكل عام والاقتصاد السعودي على وجه الخصوص، وهو ما ستحققه الإستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية التي نعول عليها كثيرًا في السنوات المقبلة.. دمتم بخير.