التوجه السعودي في الدخول لصناعة الألعاب الإلكترونية مدروس ومُخطط له؛ حتى في ضخ الاستثمارات بالشركات الناجحة، فصندوق الاستثمارات العامة (فبراير 2020) تملك حصصاً تزيد على 5 %، بأكثر من مليار دولار في شركتي ألعاب الفيديو اليابانيتين المدرجتين في بورصة طوكيو..
ربما يطرح الرأي العام السعودي سؤالًا وجيهًا في مضمونه وملامحه، وهو: لماذا أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الاستراتيجية الوطنية للألعاب والرياضات الإلكترونية؟، الإجابة باختصار، هي أن المملكة اليوم في ظل التفكير الحكومي المتجدد ترغب في أن تكون لاعبًا منتجًا ومصدرًا ومطورًا لا مستهلكًا في قائمة دول “بترول العصر المقبل”، وهي الألعاب الإلكترونية، خاصة بعد تزايد المنافسة الدولية الاقتصادية للسيطرة على هذا السوق المتصاعد يومًا بعد آخر.
وعلى غرار المقولة الشهيرة: “إذا عرف السبب بطل العجب”، فإن إجمالي إيرادات صناعة الألعاب الإلكترونية بجميع أنواعها وأجهزتها حول العالم بلغت العام الماضي (2021) نحو 180.3 مليار دولار، وذلك بحسب تقرير مؤسسة “نيوزوو” العالمية المتخصصة في إحصاءات الألعاب الإلكترونية، بزيادة مالية عن العام 2020 بأكثر من 40 مليار دولار، وهو رقم ليس كبيرا مقارنة ببعض الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية الأخرى.
التوجه السعودي في الدخول لصناعة الألعاب الإلكترونية مدروس ومُخطط له؛ حتى في ضخ الاستثمارات بالشركات الناجحة، فصندوق الاستثمارات العامة (فبراير 2020) تملك حصصًا تزيد على 5 % بأكثر من مليار دولار في شركتي ألعاب الفيديو اليابانيتين المدرجتين في بورصة طوكيو، الأولى Capcom صاحبة اللعبتين الشهيرتين Street Fighter وResident Evil، والثانية شركة Nexon التي تقف خلف لعبتي MapleStory وDungeon & Fighter.
إذن هناك تخطيط سعودي عالي المستوى لتنمية القاعدة الوطنية من خلال صناعة الألعاب الإلكترونية، والذي سيسمح لنا ببناء الركيزة الأساسية لهذا القطاع، وهو تأهيل رأس المال المحلي من حيث بناء قاعدة شبابية من أبناء وبنات الوطن المبدعين في مجال صناعة محتوى هذا المجال الحيوي المهم، والإسهام في تأسيس الشركات الناشئة المتخصصة في إصدار الألعاب الجديدة، وتطوير التقنيات الخاصة بالرسوم المتحركة الرقمية والنظام البيئي للألعاب وزيادة المنتجات ذات القيمة المضافة.
ربما كان من الدروس المستفادة ليس السعودية فحسب بل وللدول المهتمة بهذا القطاع، هو التداعيات التي سببتها “جائحة كورونا المُستجد”، الذي تسبب بتراجع كبير وخسائر متلاحقة لمختلف القطاعات الصناعية والاستثمارات، لذا يستطيع أي مراقب أن يدرك التحركات الحكومية السعودية الرسمية اليوم تجاه الألعاب الإلكترونية التي تُشكل سوقًا مغرية للاستثمار والتوطين، والتحسب لأي أزمات طارئة قد تصيب الاقتصاد مستقبلًا تحت أي ظرف كان.
تشير المعلومات المتداولة في الموضوع، أن السعودية حققت قفزة كبيرة منذ 2019 حتى العام 2021 في قطاع الألعاب الإلكترونية، لتحل محل الإمارات التي كانت توصف بأنها السوق الأكبر في هذا القطاع بالمنطقة حتى العام 2018.
أتوقع أن المفصل المهم في تشخيص الاستراتيجية الوطنية للألعاب والرياضات الإلكترونية، هو الممكنات الفعلية لنجاحنا الذي لن يكون سهلًا بطبيعة الحال أو مفروشًا بالورود، لكننا نملك العنصر الحقيقي الأهم في التنافس، وهو أن 67 % من سكان المملكة (23.5 مليونا) عاشقون للألعاب الإلكترونية، فضلًا عن وصول نسبة اتصال السكان بالإنترنت إلى أكثر من 90 %، بالإضافة إلى البنية تحتية والمبادرات الراهنة التي تدعم المهتمين والمستثمرين مثل: خوادم الاتصال والحاضنات / المسرعات المحلية لدى العديد من الجهات الحكومية والخاصة، والصناديق الدعم التي تمول أكثر من 33 مجالاً داخل القطاع.
باختصار.. السعودية مُقدمة على التطورات المستقبلية من خلال تعزيز استثماراتها في البنية التحتية التقنية، كالألعاب السحابية، وتطوير المحركات ثلاثية الأبعاد، والواقع المعزز / الواقع الافتراضي.. دمتم بخير.