القراءات التحليلية لمشهد العلاقات الروسية الإيرانية يفيدنا على الأرض بمسار مختلف عما تحاول له الماكنة الإعلامية الإيرانية، ومن يدور في فلكها من الإعلام الموازي له ترويجه، والتي تحاول بشتى الطرق من التأكيد بين الفينة والأخرى وصف العلاقة مع “موسكو” بـ”سياسة المحاور الاستراتيجية” في أكثر مناطق العالم حساسية من حيث الجغرافيا السياسية أو الاقتصادية.
في الأيام الماضية كتبت سلسلة تغريدات مُركزة بهذا الشأن، ومع توارد الأسئلة من هنا وهناك، فضلت التوسع قليلًا في الموضوع؛ لأهميته أولًا، ثم محاولة شخصية لإنضاج مسار فهم “العلاقات الروسية الإيرانية”، ومدى انعكاسها على المنطقة وبلادنا.
نعم هناك علاقة بين روسيا وإيران، كبقية العلاقات الدولية القائمة على المصالح البينية، لكن أين تتموضع علاقة الطرفين هذه تحديدًا؟ .. بناء على منطق التوافق والاختلاف في النظرة للقضايا الكُلية، يمكن القول:” إنه ليس هناك أي تحالف حقيقي وظاهر بين الروس والإيرانيين، فالأمر مجرد توافق في قضايا واختلاف في كثير منها”.
وللتأكيد على السياق الماضي، نستطيع الإشارة إلى أنه مع دخول مفاوضات فيينا الرامية لإحياء الاتفاق النووي مراحل حاسمة، فقد أثار هذا المواقف الروسية الذين طالبوا بشكل صريح من الإيرانيين بتقديم ضمانات مكتوبة لمواصلة تعاونها معها؛ خاصة بعد فرض الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية عمومًا عقوبات اقتصادية ومالية قاسية على الكرملين، وذلك بناء على خلفية العملية العسكرية الروسية الخاصة بها في أوكرانيا.
رغم أن إيران تدرك أن المطالب الروسية المذكورة تندرج في خانة المصالح الاقتصادية، ومواجهة الأحادية الأمريكية، إلا أن الجانب الإيراني أعلن على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده أن بلاده لاتزال تنتظر من روسيا الاتحادية تفاصيل بشأن مطالبتها بضمانات أمريكية بعدم تأثير العقوبات الغربية، المفروضة على روسيا على تعاونها مع طهران في إطار الاتفاق النووي.
تداولت وسائل الإعلام الدولية في الفترة الماضية، معلومات (غير مؤكدة) مفادها أن روسيا تمارس ضغطًا على الإيرانيين للتمهل حيال العودة للاتفاق النووي، حتى لا تتأثر موسكو سلبًا من عودة النفط الإيراني للأسواق العالمية في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد.
من مواقف الاختلاف ما يرتبط بالملف السوري، فالتنافس بينهما على أشده في مختلف القطاعات، فإيران أدرجت اللغة الفارسية لغة اختيارية ثانية في المناهج الدراسية، وذلك بعد مرور قرابة (4) سنوات على إدراج اللغة الروسية في المقررات الدراسية، فضلًا عن منع الجانب الروسي المحاولات الإيرانية لتعزيز نفوذها عبر إقامة مرافق اقتصادية في المنطقة المجاورة للقواعد العسكرية الروسية في المحافظات الساحلية في اللاذقية وطرطوس، هذا أولًا.
ثانيًا، هنا تحفظ روسي على تحركات إيران في سوريا وسعيها للتغيير الديمغرافي في إطار رؤيتها لسوريا، باعتبارها أحد عناصر مشروعها الذي يعرف بـ”الهلال الشيعي”، ورغم ذلك تحاول موسكو تجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع إيران، حيث يعمل كل طرف من خلال أدواته الخاصة، فروسيا أقامت علاقات مع السكان في مناطق تواجد قواتها العسكرية كما فعلت إيران، عبر بعض العشائر والتيارات السياسية وفعاليات المجتمع المدني، وعقد مؤتمرات، وتقديم بعض المساعدات المالية والإغاثية، بالإضافة إلى مشاريع خدمية مثل ترميم بعض المدارس التي تضررت مبانيها نتيجة الحرب.
السؤال المطروح اليوم ماذا عن انعكاس العلاقات الروسية الإيرانية على السعودية والمنطقة؟ .. الروس شطار في السياسة ورسم المصالح الاستراتيجية؛ لذلك لا يعتمدون في التعامل مع الإيرانيين كما قلت سابقًا على سياسة المحاور في المنطقة؛ لأنهم يعون ثقل وأهمية الرياض وبمعيتها الدول الخليجية الشقيقة في المنطقة .. دمتم بخير.