الكساد والانكماش الاقتصادي قادم لا محالة على العالم، وستختلف درجة تأثيراته من بلد لآخر، وسيستمر ما بين عامين إلى أربعة أعوام، ولكنه سيكون مختلفًا عن الكساد الكبير الذي حصل في ثلاثينات القرن العشرين..
“لنستعد للإعصار الاقتصادي المقبل؛ بسبب البنك الاحتياطي الفيدرالي والحرب الروسية – الأوكرانية”، بهذه العبارات بدأ رئيس مجلس إدارة جي بي مورغان تشيس، أكبر الأربعة الكبار في البنوك الأميركية، جيمي ديمون مقاله المهم الذي نشرته شبكة CNBC الأميركية في الأول من يونيو / حزيران الجاري، وهو المصرفي التنفيذي الشهير ورئيس مجلس إدارة جي بي مورغان تشيس، أكبر الأربعة الكبار في البنوك الأمريكية، جيمي ديمون، وما يُعطي المقال أهمية من الناحية الفنية هو أن جيمي ديمون عمل سابقًا في مجلس محافظي بنك الاحتياط الفدرالي، لذلك خارطة المقال كان عبارة نقاط تعددية حيال الأزمة الاقتصادية القريبة بسبب تصاعد نسبة التضخم العالمي.
أهم ما جاء في المقال الذي كتبه المراسل الصحفي المتخصص في الشؤون المالية والمصرفية لشبكة CNBC “هيو سون”: أن هناك عاملين رئيسيين يثيران قلق ديمون، الأول التشديد الكمي الذي بدأه بنك الاحتياط الفدرالي، وهو سياسة نقدية انكماشية يطبقها لتخفيض مقدار السيولة داخل الاقتصاد، والثاني ارتفاع أسعار السلع الأساسية والنفط بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية”، موضحًا “أن النفط ربما يصل إلى 150 دولارًا أو 175 دولارًا للبرميل”.
وهنا اختلف معه من أن السعر لن يصل إلى ما ذكره – في حال حدوث الكساد المقبل – بسبب انحسار الحركة الاقتصادية، وتأثير ذلك على حجم الطلب على الطاقة، وذكر ديمون أن “التضخم وصل عند أعلى مستوياته على مدى عقود؛ بسبب اضطرابات سلاسل التوريد، وجائحة كورونا، إلى زرع الخوف من أن البنك الاحتياطي الفيدرالي سيدفع الاقتصاد عن غير قصد إلى الركود؛ لمكافحة ارتفاع الأسعار”.
وطالب ديمون صراحة بـ “الاستعداد وإعداد أنفسنا للإعصار المقبل”، لذلك قال: “نحن في بنكنا سنتحفظ للغاية مع ميزانيتنا العمومية، وننصح المستثمرين بفعل الشيء نفسه”. قال ديمون: “لم يكن لدينا في الاحتياطي الفيدرالي مثل هذا؛ لأن العديد من جوانب برامج التيسير الكمي التي اعتمدها الاحتياطي الفيدرالي جاءت بنتائج عكسية، بما في ذلك المعدلات السلبية، التي وصفها بأنها “خطأ فادح”؛ وهو ملمح غير عادي على الإطلاق لحجم الكارثة! ليس ذاك فحسب بل أشار في المقال إلى أن التاريخ سيكتب عن الكساد العظيم للخمسين سنة المقبلة، حيث سينسى الناس التاريخ القديم، ويؤرخون بالتاريخ الجديد! في المقابل هناك تقارير اقتصادية عميقة نشرتها وكالة إخبارية كبيرة، وصلت فيه إلى أن هوس المجتمع الأميركي بحساب التوفير والاستثمار الطويل لما بعد التعاقد سيتغير، مشيرة إلى أن واحد من كل ثلاثة مواطنين أميركيين يملك حساب ادخار، ولكن في ظل الكساد المرتقب لن يستطيعوا الادخار بل سيكتفون بالصرف من دون ادخار، أي أن شخصًا واحد من بين كل ثلاثة سيدخر، ماذا يعني ذلك؟ يعني ذلك حدوث تعثر بين الأفراد في سداد إيجاراتهم السكنية، وسينسحب ذلك على تعثر بسداد قروض السيارات، وهو ما بدأ يحدث فعليًا، وستتعاظم هذه الإشكاليات بشكل تدريجي مع التداعيات المستقبلية لأزمة الكساد المرتقبة.
في (22 أبريل 2020) كتبت مقالًا في العربية بعنوان: “كورونا.. القشة التي قصمت ظهر الاقتصاد”، ومختصره أن “الكساد والانكماش الاقتصادي قادم لا محالة على العالم، وستختلف درجة تأثيراته من بلد لآخر، وسيستمر ما بين عامين إلى أربعة أعوام، ولكنه سيكون مختلفًا عن الكساد الكبير الذي حصل في ثلاثينات القرن العشرين؛ لكون المتغيرات في عصرنا الحديث أفضل من ظروف ذلك الكساد؛ بسبب تطور الحلول الاقتصادية، والاعتماد على التكنولوجيا المتقدمة. وبالنسبة للسعودية وبشهادة المؤسسات الاقتصادية الدولية، ستكون تأثيرات الانكماش الاقتصادي العالمي عليها محدودة؛ لتمتعها باحتياطات نقدية ضخمة، وتنوع قطاعاتها الاقتصادية الجديد.. دمتم بخير.