الخطط التي تعمل عليها القيادة السعودية وبإشراف مباشر من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عملت على الفهم الاستباقي للأزمات المحتملة على أسواق العمل في مختلف القطاعات، خاصة في ظل ارتفاع معدلات البطالة عالميًا..
قبل الدخول في سياق كيف خططت السعودية لـ “وظائف المستقبل”؟ من المهم الرجوع قليلًا إلى منتصف شهر يوليو الماضي المُصادف لليوم العالمي لمهارات الشباب، واستعراض أهم البيانات الدولية الواردة من قبل منظمة العمل الدولية التي أكدت على ارتفاع معدلات البطالة في صفوف الشباب، وعدتها من أكبر المشكلات التي تواجهها مختلف الاقتصادات المتقدمة والنامية على حد سواء، لذلك سيتعين استحداث ما لا يقل عن 475 مليون وظيفة جديدة خلال العقد المقبل لاستيعاب الشباب العاطلين عن العمل حاليا، والبالغ عددهم 73 مليونا، والوافدين الجدد إلى أسواق العمل الذين يبلغ عددهم 40 مليونا كل عام، بل ذهبت استقصاءات منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي إلى أن أرباب العمل والشباب على حد سواء يعتبرون أن الكثير من الخريجين يفتقرون إلى المهارات اللازمة لعالم العمل.
هذا التحدي العالمي، تنبهت له الحكومة السعودية منذ خمس سنوات تقريبُا (إبريل 2016)، من خلال توسيع خارطة استثماراتها بالتقنيات الجديدة في “الذكاء الاصطناعي”، و”إنترنت الأشياء”، و”البيانات الضخمة” و”الواقع المعزز الافتراضي”، إلا أن رؤيتها الكبيرة أوضحته بجلاء النسخة الخامسة من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار المنعقدة في الرياض، والتي أكدت على رؤية المملكة ليس فقط في توجيه أبنائها نحو الوظائف المستقبلية، بل تجاوز الأمر إلى إيضاح رؤيتها في الوقت نفسه إلى مستقبل الإنسانية المستدامة القائم على المواءمة بين التكنولوجيا ومصالح البشرية.
نظرة الرياض إلى استثماراتها في التقنيات الجديدة ليست حبرًا على ورق كما يظن البعض، بل واءمت ذلك بطريقة ممنهجة ومؤسسة، فهناك هيئات متخصصة تتحمل الجزء الأكبر من تنفيذ تلك الطموحات إلى واقع على الأرض، ومن ذلك على الحكومة الرقمية، التي تتولى تحويل المملكة العربية السعودية إلى حكومة ذكية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهناك هيئة البيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) التي تخطط بنهاية 2030 إلى تأسيس 20 ألف خبير و300 شركة ناشئة متخصصة في هذا المحور المهم، فضلًا عن البرامج التدريبية عالية المستوى لبناء جيل سعودي واعٍ ومتابع للتطورات الجديدة في الاقتصادات الرقمية، ومؤخرًا دشن الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز بالشراكة مع مايكروسوفت المركز السعودي للابتكار (Saudi Innovation Center)، بهدف رفع مستوى مهارات المتقدمين والمتقدمات الرقمية في التقنيات الناشئة والمصادر المفتوحة، ومساعدة قطاعات الأعمال والشركات الناشئة على تبني هذه التقنيات وتطويرها والابتكار فيها، وتحقيق الهدف الاستراتيجي المتمثل في تمكين 100 ألف مبرمج من الكفاءات الوطنية بحلول 2030، ومن المستعرضات الحيوية ما تقوم به وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من خلال إطلاق المبادرات والبرامج المختلفة لتنمية الوعي الرقمي بين جميع أفراد المجتمع، خاصة بين الشباب، عبر مبادرة “العطاء الرقمي” غير الربحية، التي تقدم دورات متخصصة في “الروبوتات” و”أمن المعلومات”، و”البيانات الضخمة”، و”الأمن السيبراني” و”الذكاء الاصطناعي”.
ما أود اختزاله، هو أن الخطط التي تعمل عليها القيادة السعودية وبإشراف مباشر من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عملت على الفهم الاستباقي للأزمات المحتملة على أسواق العمل في مختلف القطاعات، خاصة في ظل ارتفاع معدلات البطالة عالميًا فتحركت لإعادة تصور مهارات شبابها من الجنسين من خلال تشكيل اقتصاد رقمي مستقبلي متطور بمعايير عالمية، وفق معادلة تزاوج بين ثلاثة مرتكزات رئيسة، هي: التوسع في استثمارات التكنولوجيا الجديدة، وتأهيل الشباب لشغر وظائف مستقبل تلك الاستثمارات، وتطوير أنماط التعليم الأساسي والعالي بما يتماشى مع هذه الرؤية التي تسعى إلى بلورتها بشكل عملي وتطبيقي قائم على الاستراتيجيات والخطط التنفيذية.. دمتم بخير.