من الإصلاحات الجوهرية التي ستُحققها المبادرة بمشيئة الله، تحسين ظروف عمل القطاع الخاص، وتمكين حركة التنقل للوافدين، وتنظيم دخول واستقطاب الكفاءات الوظيفية الخارجية من أصحاب المهارات العالية، خاصة في هذا التوقيت الذي يشهد متغيرات كبيرة على مستوى العالم، وهو ما تعمل عليه بلادنا اليوم تحت شعار “أرقى عمل وتعامل”..
علينا أن نعي تمامًا أننا لا نعيش في هذا الكون بمعزل عن الآخرين، بل نحن جزء لا يتجزأ من نظام وإدارة هذا العالم المتقارب الأطراف، وهو ما ينطبق تمامًا على إعلان وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية لنظام العمل الجديد المسمى بـ “تحسين العلاقة التعاقدية”.
لن أخوض في التفسيرات التنظيمية أو الإجرائية أو حتى القانونية، لأن الوزارة قامت بدورها، لذلك سأركز حيال أبعاد المبادرة العمالية الجديدة، والإجابة عن السؤال المركزي: لماذا جاء هذا النظام في هذا الوقت تحديدًا؟ ولذا أقول: إنه من المهم للمملكة أن تبرهن للعالم أنها تسير نحو إصلاح سوق عملها بما يتوافق مع معايير واستراتيجيات منظمة العمل الدولية (ILO).
ويمكن القول: إن توقيت إعلان المبادرة الجديدة يحمل دلالات حيوية مرتبطة بموقع بلادنا الإقليمي والدولي، خاصة أنها رئيسة الدورة الحالية لمجموعة العشرين الاقتصادية (G20) للعام 2020، وهو تأكيد على مكانتها المؤثرة في منظومة سوق العمل العالمي.
أما لماذا جاءت هذه المبادرة؟ فالدراسات البحثية للوزارة أشارت صراحة إلى أن دول العالم تُركز في إجراءات العلاقة التعاقدية بين العامل وصاحب العمل على “عقد العمل”، بينما يركز سوق العمل السعودي على موافقة صاحب العمل، وهو ما جعل المملكة من أقل الدول مرونة في إجراءات العلاقة التعاقدية، مقارنة بأسواق العمل الإقليمية أو الدولية.
وعندما نُسقط الصورة الذهنية لمعايير سوق عملنا الراهن وفق التصورات العالمية، فنجدها أدت إلى تصنيف بلادنا ضمن تقرير الخارجية الأميركية الخاص بمكافحة الاتجار بالأشخاص، وأن الممارسات الحالية تتوافق مع مؤشرات اتفاقية العمل الجبري الصادرة عن منظمة العمل الدولية في العام 1930، طبعًا يُضاف على ذلك تزايد حدة انتقادات الهيئات الدولية الحقوقية، وهو ما عبرت عنه تمامًا هيئة حقوق الإنسان في تغريدة لها على حسابها في تويتر، مشيرة إلى أن تنظيم العلاقة بين العامل الوافد وصاحب العمل في مبادرة “تحسين العلاقة التعاقدية” يؤكد التزام المملكة الدائم بالقانون الدولي لحقوق الإنسان.
أعتقد أن المملكة قادرة إن شاء الله بفعل هذه المبادرة في تحسين الصورة النمطية غير الإيجابية عن مشهدها العمالي، من خلال طرحها على طاولة المفوضية السامية لحقوق الإنسان، ليس من أجل التفاخر بها، بل من أجل تعزيز نمط العقلية السعودية التي تتعامل بجدية ومنهجية وعدالة بين طرفي العلاقة “العامل وصاحب العمل”.
ومن التداعيات الدولية الأولية على المبادرة، ما صدر عن وكيلة وزارة الخارجية الفلبينية لشؤون العمال المهاجرين سارة لو أريولا، التي أكدت أن عمال بلادها في السعودية والبالغ عددهم 800 ألف عامل، سيستفيدون من النظام الجديد.
أيضًا دعونا نُقر أن سوق عملنا ظل لفترات ليس بالقصيرة محصورًا بشكل ما في أصحاب المهارات الدُنيا على حساب أصحاب المهارات العالية، ويعود ذلك بسبب طبيعة مشهدنا العمالي، لذلك من أهم آثار المبادرة، رفع جاذبية السوق السعودي من خلال تحفيز واستقطاب الكفاءات العالمية وفق المعايير الدولية، وتعزيز مكانة بلادنا في مؤشر التنافسية العالمي، وانعكاس ذلك على تحسين نمط خبرات كوادرنا الوطنية التي ستستفيد من ذلك بشكل مباشر وغير مباشر، وهو ما يعني إنجاح خطط التوطين المستقبلية، بما يتماشى مع المسار الإصلاحي للبلاد وفقًا لمستهدفات رؤية 2030 الطموحة.
من الإصلاحات الجوهرية التي ستُحققها المبادرة بمشيئة الله، تحسين ظروف عمل القطاع الخاص، وتمكين حركة التنقل للوافدين، وتنظيم دخول واستقطاب الكفاءات الوظيفية الخارجية من أصحاب المهارات العالية، خاصة في هذا التوقيت الذي يشهد متغيرات كبيرة على مستوى العالم، وهو ما تعمل عليه بلادنا اليوم تحت شعار “أرقى عمل وتعامل”، وتقديم نفسها نموذجًا مثاليًا في فهم المتغيرات السوقية الجديدة، وترتيب أوضاع العمالة الوافدة لديها، بما يتوافق مع قانون العمل السعودي.
أخيرًا، الوعي الاستراتيجي لمشروع مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية، سيكون له تبعات كثيرة على تطوير سوق العمل السعودي، وإذا أردنا أن نعرف قيمة المبادرة فما علينا سوى الاطلاع على معطيات سوق العمل في آخر 3 سنوات -لندرك حجمها وأهميتها- وكان من نتائجها: زيادة ارتفاع القضايا المنظورة أمام المحاكم العمالية سنويًا إلى 167 %، فيما تراوحت ظاهرة العمالة السائبة ما بين 3,5 ملايين إلى 4,4 ملايين عامل.. دمت بخير يا وطني.