قد أصبحت درجة الوعي متقدمة جداً، لذلك لم تعد المملكة تلك الدولة القائمة على الاستهلاك الكلي، بل أصبح لها أبعاد في أخذ حصتها في الأسواق التجارية الإقليمية والدولية.. وهذا بالضبط ما تعمل عليه هيئة تنمية الصادرات السعودية..
هناك قناعة متجذرة تسري في شريان الحكومة السعودية، وهي أن التوسع في تصدير المنتجات الوطنية إلى الأسواق الإقليمية والدولية، سيدعم توجه البلاد في تعزيز المحتوى المحلي مما يرفع الناتج الإجمالي القومي، وهو ما تطلب منها قبل إقرار هذا الخيار الاستراتيجي، فهمًا عميقًا لاستكشاف الفرص، وتحليل الأسواق المستهدفة وطبيعتها، وفق قواعد البيانات والتقارير التحليلية المتخصصة.
تُناط مسؤولية “التوسع المدروس” للصادرات الوطنية غير النفطية بإحدى الأجهزة الحكومية المتخصصة وهي “هيئة تنمية الصادرات السعودية”، التي تُعد تعمل وفق “قواعد اقتصادية” دقيقة، وهي بمثابة أذرع السعودية الجديدة لبناء اقتصاد محلي مُستدام، من خلال تشجيع الشركات الوطنية على دخول أسواق التصدير والتوسع فيها ومساعدتها في بناء قدراتها التنافسية وتعزيز انتشارها العالمي.
لم يعد التصدير مجرد خيار مطروح على الطاولة الحكومية، بل أصبح ضرورة مستقبلية فرضتها التغيرات والتحديات لتدعيم اقتصادنا الوطني، مُعززًا بدعم لا محدود من قبل القيادة السعودية العليا، والمفاصل الحكومية ذات الصلة، لذلك ارتكزت استراتيجية الهيئة الوطنية للتصدير، على تحسين كفاءة البيئة التصديرية، والخدمات الداعمة له، ورفع الوعي بممارسات التصدير وجاهزية المنشآت للتصدير، وتسهيل إيجاد الفرص والأسواق التصديرية الملائمة وزيادة ظهور المنتجات السعودية، وتيسير ربط المصدرين مع المشترين المحتملين.
ومن الأدوار الاستراتيجية التي تؤديها الهيئة لدعم المنتجات الوطنية القابلة للتصدير، حلحلة العوائق والتحديات التي تواجه الشركات المحلية، عبر خدمة استقبال تحديات بيئة التصدير التي تواجه المصدرين، والعمل على حلها بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، سعيًا منها لتطوير بيئة التصدير الوطنية وزيادة نسبة الصادرات غير النفطية، وهذه النقطة تحديدًا ساهمت في نجاح التصدير لمنتجات بعض الدول الإقليمية في منطقة، وزيادة رقعة وصولها للأسواق المحيطة بها والدولية، لماذا؟ لأنها تمثل مصدر أمان واطمئنان للمنشآت بالوقوف الداعم لها من قبل حكوماتها.
وبعيدًا عن مفهوم التصدير الدلالي، هناك دور غير مُعلن، يرتبط باستيعابها بمسألة تعزيز “الوعي التصديري للمنشآت”، وما تقوم به الهيئة من خلال منصة التدريب الإلكتروني، ويمكن الاستشهاد بإحدى الورش النوعية التي قدمت سابقًا بعنوان “التسويق الدولي”، وهدفت إلى تهيئة المنشأة للتوسع التجاري والنفاذ إلى الأسواق الدولية، وبناء قدرتها على التحليل العميق والشامل للأسواق الجديدة بطريقة منهجية وإبداعية، وصولًا إلى كتابة خطة المنشأة للسوق الدولي المستهدف.
ومن الملامح التي بدأت تتشكل من العام الماضي، نجاح الهيئة في تطوير استراتيجيتها لحماية الصناعة السعودية من المنافسة غير العادلة، وإيجاد الحلول للتحديات التي تواجه عمليات التصدير للخارج، من خلال إنشاء “بنك التصدير والاستيراد السعودي”، الذي جاء مكملًا لمنظومة التمويل في الأسواق الخارجية ذات المخاطر العالية أو الأسواق التي لا تمولها بعض البنوك التجارية، فهو يعمل على توفير التمويل للمصدرين المحليين والمستوردين الأجانب، وسد فجوات الخدمات المالية المقدمة لقطاع الاستيراد والتصدير، ورفع نسبة الصادرات غير النفطية من 16 % إلى 50 % من إجمالي قيمة الناتج المحلي.
تتحمل اليوم الهيئة مهمات كبيرة جدًا في محور تنمية الصادرات غير النفطية، ومن أهمها إيجاد الفرص التصديرية للمصدرين، واختيار الأسواق الملائمة لمنتجاتهم وربطهم بالمشترين المحتملين في الأسواق الدولية، ورفع الوعي بالمنتجات السعودية وتحسين الصورة الذهنية عنها، ولضمان ذلك أفردت عدداً من المشروعات منها: تطوير وتطبيق برنامج صنع في السعودية، ومشروع تقارير دراسة الأسواق المستهدفة حسب الطلب، ومشروع إنشاء المكاتب الدولية للصادرات السعودية، والترويج الإلكتروني للمصدرين.
ومن أهم مقومات نجاح عملية التصدير إلى الأسواق العالمية وجود معرفة جيدة بالسوق المستهدف، لذلك وفرت الهيئة مجموعة دراسات متخصّصة؛ لمساعدة المصدّر على اتخاذ قرار التصدير إلى الأسواق المستهدفة والنجاح فيها، تتضمن اقتصاد البلد المستهدف، وتحليل القطاعات وحجم السوق ومتطلباته، وأهم المشترين المحتملين.
يعتقد البعض أن تموضع الهيئة يتمثل في الخدمات اللوجستية، وهذا فهم قاصر لأدوارها، فهناك الكثير من المنشآت تقف عاجزة أمام فتح الأسواق، لذا قدمت الهيئة لها “خدمة البعثات التجارية ومطابقة الأعمال”، تُعنى بتشجيع المنشآت الصناعية والخدمية، لفتح أسواق جديدة وإيجاد عملاء محتملين لتصدير منتجاتها وخدماتها، ومساندتها في البحث عن مستوردين محتملين وربطهم بهم، بحيث تتمكن من تسويق وعرض منتجاتها والتفاوض لإتمام عملية التصدير.
أخيرًا، لقد أصبحت درجة الوعي متقدمة جدًا، لذلك لم تعد المملكة تلك الدولة القائمة على الاستهلاك الكُلي، بل أصبح لها أبعاد في أخذ حصتها في الأسواق التجارية الإقليمية والدولية.. وهذا بالضبط ما تعمل عليه هيئة تنمية الصادرات السعودية.