الركائز الأربع المتمثلة في “خلق الوظائف، وتنمية الاقتصاد غير النفطي، وتحسين جودة الحياة، والقضاء على الفساد”، تُعد العناوين البارزة في السياق العام لمضمون تصريحات ولي العهد، وهي فعليًا المهمة التي عملت عليها الأدوات الحكومية ذات العلاقة خلال السنوات الأربع الماضية، لذلك ازدانت التصريحات بالدرجة الأولى باللغة الإقناعية لا العاطفية، واتضح ذلك جليًا في استخدام المعلومات والأرقام..
أيام قليلة تفصلنا عن قمة قادة مجموعة العشرين (G20)، وهي “قمَّة الرياض” التي تفخر المملكة العربية السعودية باستضافتها افتراضيًا على مدى يومين خلال الفترة من 21 إلى 22 من شهر نوفمبر الجاري.
ومن المهم جدًا بالنسبة للرأي العام الداخلي، وعيه الكامل بمدلولات الارتباط المحوري والعميق بين أبعاد رئاسة السعودية لمجموعة العشرين (2020)، والتصريحات الأخيرة التي أدلى بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، التي يمكن وضعها ضمن خانة “المكاشفة الوطنية الشاملة” من هرم القيادة السياسية إلى مختلف المكونات الشعبية، كما أنها تأكيد مباشر على أن الإنجازات التي تمت ما كانت لتحصل لولا توفيق الله عز وجل، ثم بفضل ورشة البناء الإصلاحية التنموية التي خاضتها الدولة منذ أربع سنوات تقريبًا، وتحديدًا منذ أبريل 2016 حيث تم الإعلان حينها عن منظومة البرامج التنفيذية المعنية بتحقيق مستهدفات رؤية المملكة الطموحة 2030، وهي المنصة التطويرية التي كانت كفيلة بتغيير النمط التقليدي للقطاعات الحكومية، وإيجاد قطاعات جديدة ساهمت في تنمية المحتوى المحلي غير النفطي، خاصة أن المملكة العربية تعد أحد أكبر وأهم اقتصادات العالم، وتسعى بجدية للعمل على مضاعفة حجم اقتصادها وتنوعه، لذلك أصبحت الحكومة السعودية مقتنعة تمامًا، بأن الناتج المحلي غير النفطي هو المؤشر الرئيس لنجاح خططها الاقتصادية.
تصريحات ولي العهد، كانت أشبه بـ”الخطاب المفتوح” على مُختلف الصُعد السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والتنموية، وما خريطة الإنجازات الدقيقة المُستعرضة ضمن السياق العام لتصريحات عراب الرؤية ومهندسها الإصلاحي، إلا دليل على تعاظم القوة السعودية إقليميًا ودوليًا، واتباعها نهجًا استراتيجيًا واجهت خلاله الكثير من التحديات الذي لم يجعلها مرهونة لتقلبات أسعار النفط.
في تصوري أن أهم الدلالات الواردة في تصريحات ولي العهد، هي توجه الدولة الاستراتيجي لبذل مزيد من الجهد لصالح استدامة الإيرادات المالية من خلال دعم القطاعات الجديدة، وتركيزها محورياً على صناعة اقتصادها الرقمي، كونه أحد المؤشرات الرئيسة لخريطة الاقتصاد السعودي القادم، وقد أشرت إلى ذلك بإسهاب في أكثر من مقال، ومن الأمثلة محل الحديث هنا، تقدمها الكبير في مؤشرات الذكاء الاصطناعي وتقنية المعلومات، فبعد أن كان ترتيبها عالمياً بعد السبعين، أصبحت اليوم بين المراتب الثلاثين إلى الأربعين، والإعلان عن استراتيجيتها الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي “نُسدي”، ومن أهم أهدافها العشرية جذب 45 مليار ريال بين استثمارات داخلية وخارجية، ودعم تأسيس 300 شركة متخصصة في الذكاء الاصطناعي لرواد الأعمال السعوديين.
ومن المفاصل المهمة غير المعلنة للرأي العام، التي عملت عليها الدولة السعودية بشكل احترافي في السنوات الأربع الماضية تنمية ما يُعرف بـ”التحرك الاستباقي الحكومي” وعدم ترك الأمور للصدف، وما لغة الأرقام والإنجازات التي استعرضها ولي العهد إلا دليل على نجاعة التخطيط والتنفيذ، ويكفينا الاستدلال هنا بأن بلادنا – ولله الحمد – كانت ضمن أفضل عشر دول على مستوى العالم في التعامل مع التبعات الاقتصادية لجائحة كورونا، لذلك كانت معدلات البطالة أثناء الأزمة الصحية قليلة مقارنة بالدول الأخرى، وهو ما أكده ولي العهد من أن المملكة ستكون في طليعة الدول التي ستتجاوز هذه الجائحة، لتكون – كما قال- إحدى أسرع دول مجموعة العشرين نمواً في الناتج المحلي غير النفطي خلال السنوات المقبلة إن شاء الله.
ومن أهم الاستراتيجيات الحكومية لتعظيم المحتوى المحلي غير النقدي، التركيز على صندوق الاستثمارات العامة، الذي يعد أحد المحركات الأساسية لنمو الاقتصاد السعودي، واستطاع مضاعفة حجمه من 560 مليار ريال إلى ما يزيد على 1,3 تريليون ريال تقريباً، والهدف بعد عشر سنوات من اليوم تعظيم أصوله إلى 7 تريليونات ريال.
الركائز الأربع المتمثلة في “خلق الوظائف، وتنمية الاقتصاد غير النفطي، وتحسين جودة الحياة، والقضاء على الفساد”، تُعد العناوين البارزة في السياق العام لمضمون تصريحات ولي العهد، وهي فعليًا المهمة التي عملت عليها الأدوات الحكومية ذات العلاقة خلال السنوات الأربع الماضية، لذلك ازدانت التصريحات بالدرجة الأولى باللغة الإقناعية لا العاطفية، واتضح ذلك جليًا في استخدام المعلومات والأرقام.
أحد العناوين الرئيسة التي تصدرت اهتمامات المشهد السعودي في 2020 تحديدًا، وساهمت في بناء حالة من الثقة الشعبية بين صفوف المواطنين، الجهود الحكومية الممنهجة للقضاء على الفساد، فلا تكاد تمر فترة إلا ونشهد تقديم “نزاهة” لأشخاص من مختلف المستويات الإدارية مرتبطين بقضايا فساد مختلفة، وفي هذه المسألة كان الأمير محمد بن سلمان شفافًا عندما صارح الجميع بأن الفساد يستهلك من 5 إلى 15 % من ميزانية الدولة، حتى غدا من نتائج حملة مكافحة هذه الآفة أن بلغ مجموع متحصلات تسويات مكافحة الفساد 247 مليار ريال في الثلاث سنوات الماضية تمثل 20 % من إجمالي الإيرادات غير النفطية، بالإضافة إلى أصول أخرى بعشرات المليارات تم نقلها لوزارة المالية، وستسجل في الإيرادات عندما يتم تسييلها بما فيها من عقارات وأسهم.. حفظ الله مملكتنا.