مبادرة «طريق مكة».. هندسة سعودية للحج المُيسر

حققت مبادرة “طريق مكة” خلال السنوات القليلة الماضية نجاحات متوالية؛ لكونها برأيي تنطلق من هندسة معيارية في اختيار البلدان التي سيتم إدراجها في كل موسم، وهو لب النجاح بعد توفيق الله عز وجل؛ لأنها دراسة مستفيضة تجمع بين محددات معينة..
لطالما كانت خدمة حجاج بيت الله الحرام بالنسبة للسعودية إطارًا محوريًا يتجاوز المفهوم التقليدي من حيث أداء وتقديم الخدمات لضيوف الرحمن، إلى وعي قيمي يتشكل في تعاطي القيادة مع هذه الشعيرة المقدسة التي يفد إليها الحجيج من كل فج عميق، وهم يأملون أداء نسكهم بكل يسر وطمأنينة. منذ عقود والجهات المؤسسية المعنية بالحج تعمل باستمرار ومن دون توقف في كل ما من شأنه تيسير الأمور على ضيوف الرحمن، وهي نقطة غاية في الأهمية إذا ما أردنا إدراك تفاصيل ما تقوم به السعودية اليوم في هذا الاتجاه، حيث المعادلة التي تقوم عليها تتمحور بكل بساطة وعمق حيال تفاعلاتها حول السؤال التالي: كيف نستطيع أن نجعل من الحج رحلة إيمانية لا تنسى بالنسبة لضيوف الرحمن؟ وبناء على ذلك خرجت المبادرات التنفيذية تلو المبادرات، واجتمعت وتوحدت كافة القطاعات المعنية لدراسة التحديات وتذليل الصعوبات؛ لتقديم أقصى درجات الجودة الخدماتية لهذه الشعيرة المقدسة. من المبادرات التي أثبتت نجاحها المرحلي مبادرة “طريق مكة” والتي أطلقتها وزارة الداخلية وشركاؤها ضمن برنامج “خدمة ضيوف الرحمن”، أحد برامج رؤية السعودية 2030، وهي تهدف إلى استقبال ضيوف الرحمن، وإنهاء إجراءاتهم من بلدانهم بسهولة ويسر، بدءًا من إصدار التأشيرة إلكترونيًا، وأخذ الخصائص الحيوية، مرورًا بإنهاء إجراءات الجوازات في صالة المبادرة بمطار بلد المغادرة بعد التحقق من توفر الاشتراطات الصحية، إضافة إلى ترميز وفرز الأمتعة وفق ترتيبات النقل والسكن في المملكة العربية السعودية، بحيث ينتقلون مباشرة عند وصولهم إلى حافلات تقلهم إلى مقار إقامتهم في مكة المكرمة والمدينة المنورة، بمسارات مخصصة، في حين تتولى الجهات الخدمية إيصال أمتعتهم إلى مساكنهم. حققت مبادرة “طريق مكة” خلال السنوات القليلة الماضية نجاحات متوالية؛ لكونها برأيي تنطلق من هندسة معيارية في اختيار البلدان التي سيتم إدراجها في كل موسم، وهو لب النجاح بعد توفيق الله عز وجل؛ لأنها دراسة مستفيضة تجمع بين محددات معينة. في موسم حج 1444هـ سيتم تنفيذ المبادرة في سبع دول، هي: ماليزيا، وإندونيسيا، وباكستان، والمغرب، وبنغلاديش، وتركيا، وساحل العاج (كوت ديفوار)، وبمشاركة من وزارات “الخارجية والصحة والحج والعمرة” والهيئة العامة للطيران المدني وهيئة الزكاة والضريبة والجمارك، والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي “سدايا”، وبرنامج خدمة ضيوف الرحمن، والمديرية العامة للجوازات. وللاستذكار التاريخي فإن وزارة الداخلية بدأت بتنفيذ مبادرة “طريق مكة” في موسم حج 1439هـ بدولتي “ماليزيا وإندونيسيا”، وفي العام الذي يليه أدرجت خمس دول وهي: تونس وباكستان وبنغلاديش للمبادرة، وفي هذا العام انضمت المغرب إلى دول باكستان وماليزيا وأندونيسيا وبنغلاديش. وإذا أردت أن تعرف أبعاد هذه المبادرة التي تتجاوز “كاونترات” إنهاء الإجراءات في صالات مغادرة البلدان المدرجة، فما عليك سوى استعراض ما يقوم بنشره الحساب الرسمي لمبادرة “طريق مكة” على منصة تويتر (@MakkahRoute) الذي يعطي أي متابع صورة شاملة مسنودة بفيديوهات وصورة تظهر وجوه الحجيج وسعادتهم الغامرة من إنهاء الإجراءات حتى وصولهم إلى مقار سُكناهم بيسر وسهولة إلى مكة المكرمة أو المدينة المنورة.. دمتم بخير.  

كيف ينظرون إلى قيادتنا السياسية السعودية؟

علينا كرأي عام وطني أن نستوعب جيدًا أن ولي العهد يسعى من خلال التحركات الجيوسياسية هنا وهناك، إلى التأكيد على القوة الإقليمية للمملكة؛ وذلك من خلال استخدام مكانة بلادنا وتربعها على قمة عملاق الطاقة “النفط”..
هناك اهتمام متصاعد بالنظرة الإعلامية الغربية والأميركية والشرق أوسطية بالتحركات كافة التي تقوم بها القيادة السياسية السعودية في العديد من المحاور الإقليمية والدولية، وهو الأمر الذي أشارت إليه صراحة بعض المراصد البحثية عندما وصفت الحضور السعودية بالفاعل، وقدرة إدارته السياسية في بلادنا على توجيه الدفة في الوقت المناسب، بما يُحقق مصالح أمنها القومي الذي لا ينتهي عند الحدود الجغرافية التقليدية. في كتاباتي وتدويناتي المختلفة دائمًا ما أركز على العبارة التالية، وهي: “المملكة العربية السعودية ليست دولة طارئة، إنما دولة تستند إلى عمق سياسي متجذر لأكثر من 300 سنة”، ما معنى هذا السياق؟.. معنى ذلك أن حكومتنا اليوم بقيادة خادم الحرمين وولي العهد تعي جيدًا مفهوم “الواقعية السياسية”، وهي في الحقيقة نظرية مهمة مُترسخة في مدارس العلاقات الدولية، وقد كان التأصيل الحقيقي لهذه النظرية من خلال هانز مورجانثو في كتابه “السياسة بين الأمم”، حيث أرسى فيه أهم مقولات ومفاهيم هذه المدرسة. المقدمتان التأسيسيتان السابقتان كانتا مهمتين كمدخل لتقرير نشرته وكالة رويترز في الرابع والعشرين من مايو الجاري، وبرأيي أنه من المهم نقل بعض تصوراته للمشهد الوطني والإعلامي في المملكة العربية السعودية؛ لإعطاء مزيد من الجرعات التثقيفية التوعوية السياسية تجاه التحركات التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، هذا أولًا، أما ثانيًا فلتعميق فهمنا بالدور الذي تقوم به حكومتنا لتعزيز مصالح شعبها، ومنطقتنا الإقليمية على العموم، وإخراجها من عنق زجاجة التجاذبات والانقسامات السياسية، إلى مسار “الاستراتيجية التنموية”، حيث الكل رابح. السعودية ليست دولة جامدة، بل دولة قارئة وسباقة لفهم المتغيرات الدولية التي تتجه إلى تعددية الأقطاب، وهذا ما يظهر في الإشارات الاستهلالية التي قدمتها رويترز في تحليلها بشكل غير مباشر، وهو أن الأمير محمد بن سلمان يتحرك بسياسة بلاده وفق ما يعرف بـ”الحقائق الجيوسياسية”، وهذه نقطة مركزية لإعادة سورية إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، واستقبال الرئيس بشار الأسد في القمة العربية (الدورة 32) التي احتضنتها جدة، رغم الرفض والاعتراض الأميركي والأوروبي. علينا كرأي عام وطني أن نستوعب جيدًا أن ولي العهد، يسعى من خلال التحركات الجيوسياسية هنا وهناك، إلى التأكيد على القوة الإقليمية للمملكة العربية السعودية؛ وذلك من خلال استخدام مكانة بلادنا وتربعها على قمة عملاق الطاقة “النفط”. ومن النصوص المهمة التي أسردها بتصرف -على لسان رويترز- :” لقد ظهر الأمير محمد بن سلمان اليوم كلاعب لا يمكن لواشنطن تجاهله أو التنصل منه، ولكن يجب التعامل معه على أساس الندية، وبسبب تشككه –أي ولي العهد- من الوعود الأميركية بشأن الأمن السعودي، فإنه قام بخطوات ديناميكية نوعية، من خلال بناء علاقات مع القوى العالمية الأخرى، وإنه بغض النظر عن ذعر واشنطن، فهو يعيد بناء علاقاته مع خصومها المشتركين –في إشارة إلى روسيا والصين- وفق منطق المصالح المتبادلة، لا منطق التبعية”. يذهب تحليل رويترز –مع اختلافي مع بعض فقراته– إلى أن واشنطن بدت في السنوات الأخيرة أقل انخراطًا في الشرق الأوسط، وأقل تقبلًا لقلق الرياض من بعض الملفات، إلا أن الأمير محمد بن سلمان فرض سياسته الإقليمية الخاصة مع احترام أقل وضوحاً لآراء أقوى حليف للمملكة، وهي إشارة قوية للولايات المتحدة الأميركية بأننا نعيد تشكيل وإعادة رسم علاقاتنا من دونكم، فالأمن القومي الوطني هو الأساس في ذلك. ما أود ذكره هنا كمراقب للشأن السياسي السعودي، أنه عندما تتحرك القيادة السياسية في بلادنا لإغلاق بعض الملفات العالقة مع بعض الخصوم الإقليميين، فإن تحركاتها تنصب لتعزيز الأمن الإقليمي، وهو سياق متقدم جدًا عن مفهوم الدولة الوطنية المنحصرة على ذاتها الجغرافية التقليدية.. دمتم بخير.  

قمة جدة.. نظرة عميقة على التنمية المُستدامة

نلاحظ أن هناك رغبة جادة في التحول إلى تعظيم القوة العربية الإقليمية باستخدام الأدوات الناعمة لا الصلبة، وهذا ذكاء سياسي، وهو لب “قمة جدة” التي حرصت عليه القيادة السياسية السعودية – رئيسة الدورة الحالية – وهو ما حاز على اهتمام استثنائي عالمي سواء كان سياسيًا أو إعلاميًا..
كان من المهم بُعيد انتهاء أعمال القمة العربية للدورة الـ32 التي عُقدت نهاية الأسبوع الماضي، التركيز بعض الشيء على فهم توجهات بعض الأطراف العالمية الإعلامية ورؤيتها تجاه قمة جدة والمآلات التي ترتكز عليها، خاصة أن هذه الدورة تأتي في ظل ظروف استثنائية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. الصحافة الغربية عمومًا كانت على نقيضين تمامًا، من نظرتها للقمة قبل وبعد انتهاء أعمالها، فالدوافع السياسية للأنظمة الغربية تطابقت بشكل كبير مع منصاتها الإخبارية والتحليلية بشكل سلبي، ويمكن الإشارة إلى “الغارديان” البريطانية و”الواشنطن بوست” الأمريكية، وغيرهما الكثير. هذا السخط والغضب مفهوم تمامًا لعدم رغبتهم في رؤية تكامل عربي مُشترك، يُحقق رغبات الشعوب العربية، فضلًا عن امتلاك العرب لمقومات البقاء ومواجهة التحديات. لنكن صرحاء ومن دون مجاملات سياسية، فإن المملكة العربية السعودية تعي تمامًا طبيعة المرحلة المقبلة على مستوى المنطقة، وهي تتحرك فعليًا لتأمين الأمن القومي العربي، عبر الالتفات إلى التنمية الاقتصادية المُستدامة، بدلًا من أجواء الصراعات والانقسامات التي شكلت واقعيًا عبئًا كبيراً على حاضرتنا العربية. لست هنا في معرض التسويق للمملكة العربية السعودية أو قيادتها السياسية، لكن ما أستطيع التأكيد عليه هو أن إدارتنا السياسية استطاعت تقديم خارطة طريق لإخراج المنظومة العربية من ضائقتها الحالية إلى التوسع التنموي، وهو بصراحة ما أرادته الشعوب منذ عقود طويلة، هذا أولًا، أما ثانيًا – وهو الأهم برأي – فإن على العرب أن يعيدوا تموضعهم السياسي والاقتصادي والجمعي والأمني، ورسم آفاق جديدة للسياسة الخارجية في ظل الفرص الناشئة في النظام العالمي المتغير؛ انطلاقًا من كوننا عنصرًا فاعلًا وليس مفعولًا به، بحسب وصف أمين جامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط. ما لاحظته من تبعات هذه القمة وبيانها الختامي، أن هناك رغبة جادة في التحول إلى تعظيم القوة العربية الإقليمية باستخدام الأدوات الناعمة لا الصلبة، وهذا ذكاء سياسي، وهو لب “قمة جدة” التي حرصت عليه القيادة السياسية السعودية – رئيسة الدورة الحالية – وهو ما حاز على اهتمام استثنائي عالمي سواء كان سياسيًا أو إعلاميًا، ولعلي أشير هنا إلى ما طرحته صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية اليسارية، التي خلصت إلى أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، نجح من خلال عودة سوريا بقرار من جامعة الدول العربية، ثم الوصول المفاجئ لفولوديمير زيلينسكي، في أن يجعل من القمة حدثًا عالميًا غير مسبوق؛ بينما يجذب عادة (القمة العربية) اهتمامًا محدودًا جدًا من وسائل الإعلام. هذا الاستثناء للقمة العربية؛ يعود من وجهة نظري المتواضعة إلى فاعلية التوجه السعودي من نقل المنطقة من مربع الصراعات والنزاعات إلى نقطة مفصلية تقوم على مبدأ مهم، وهو “التنمية الاستراتيجية”، كما أنه تأكيد على الوزن الثقيل للمملكة العربية السعودية في العالم العربي. وبعيدًا عن “التصدعات السياسية”، فإن المبادرات النوعية والمهمة التي ستعمل عليها المملكة خلال رئاستها للدورة الحالية تتسق مع التموضع التنموي للقمة، وهو “مبادرة إنشاء حاوية فكرية للبحوث والدراسات في الاستدامة والتنمية الاقتصادية”، الأمر الذي سيتمخض عنه احتضان التوجهات والأفكار الجديدة في مجال التنمية المستدامة وتسليط الضوء على أهمية مبادراتها في المنطقة العربية لتعزيز الاهتمام المشترك ومتعدد الأطراف بالتعاون البحثي وإبرام الشراكات الاستراتيجية.. دمتم بخير.  

مُحددات السلوك السياسي السعودي والمتغيرات الجيوسياسية

انطلاقًا من سياقها القيادي المحوري، أعادت الرياض قراءة أولوياتها الاستراتيجية بما يتفق مع مصالحها وأمنها القومي ومصالح الإقليم في الوقت نفسه، وهو الجوهر المهم إذا ما أردنا فهم مُحددات السلوك السياسي السعودي، ورؤيتها في تحريك المياه الراكدة منذ زمن ليس بالقصير، وحلحلة العديد من القضايا العالقة والمعقدة جدًا..
في الفترة القريبة الماضية طالعت الكثير من التقارير التحليلية الصادرة سواء عن مراكز البحث والتحليل الاستراتيجي، أو كبريات الصحف الغربية الرصينة منها وغير الرصينة، والتي تناولت بشيء من التركيز المتعمق دلالات ومتغيرات السلوك السياسي السعودي تجاه أهم منطقة جيوسياسية في العالم الغنية بالنفط والغاز ومصادر الطاقة. علينا مواجهة بعض الحقائق إذا ما أردنا فعليًا استدراك واستيعاب “السلوك السياسي السعودي” وتبعاته المختلفة بعيدًا عن الإسقاطات والأجندات السياسية غير المتوافقة معنا، فاليوم وبما لا يدُع مجالًا للشك هناك تغيرات ديناميكية سريعة تحدث على مستوى المنطقة ككل -وهذا لا يخفى على أحد- والسعودية شاءت أم أبت جزء لا يتجزأ من هذه المنظومة الإقليمية. أدى تراجع الولايات المتحدة الأمريكية عن سياق التزاماتها الأمنية الإقليمية، فضلًا عن تزايد حدة الانقسامات والصراعات، إلى دفع الإدارة السياسية السعودية لأخذ زمام المبادرة كدولة قائدة للعالم العربي والإسلامي، في محاولة حثيثة منها لإدارة مركب البوصلة السياسية إلى بر الأمان لها ولشقيقاتها في المنطقة. انطلاقًا من سياقها القيادي المحوري، أعادت الرياض قراءة أولوياتها الاستراتيجية بما يتفق مع مصالحها وأمنها القومي ومصالح الإقليم في الوقت نفسه، وهو الجوهر المهم إذا ما أردنا فهم مُحددات السلوك السياسي السعودي، ورؤيتها في تحريك المياه الراكدة منذ زمن ليس بالقصير، وحلحلة العديد من القضايا العالقة والمعقدة جدًا، بهدف تعزيز السلم والأمن الإقليمي، وإخراج المنطقة من دائرة الصراعات والنزاعات، على الرغم من التحديات الكبيرة التي واجهتها في سبيل ذلك، وعدم موافقة بعض القوى الدولية الكبرى، إلا أنها استطاعت بدبلوماسية الأطراف الهادئة والفاعلة إلى تحقيق “التوازن” لنقل المنطقة من مرحلة معقدة إلى مرحلة الاستراتيجية التنموية. ما يؤكد هذه الاتجاهات ما نشرته مجلة “فورين بوليسي” العريقة من أن المملكة العربية السعودية تحظى اليوم بشعبية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما أظهره استطلاع حديث أجرته مؤسسة “غالوب” في 13 دولة ذات أغلبية مسلمة، ذكرت فيه أن السعودية كانت الأكثر شعبية، وكانت سياسيات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الداخلية والخارجية محل إعجاب مجتمعات الدول المستطلعة. في العامين الأخيرين تحديدًا كانت هناك تعديلات دقيقة ديناميكية في السياسة السعودية الخارجية، تمثلت في توسيع نطاقات التحركات لما هو أبعد من الإقليم، وهذا يحسب لقيادتنا الوطنية، فالمملكة بموقعها الاستراتيجي وقدراتها المالية الهائلة، فضلًا عن خططها الاستثمارية هنا وهناك، وسياساتها الإنسانية المركزة، جعل منها مُحركًا فاعلًا يجتمع على طاولتها الأطراف المتضادة أو غير المتوافقة على أدنى تقدير، وهو ما يُعزز الضمانة الأمنية والاستقرار لها ولدول الإقليم، ويكمن نجاحها هنا في تحقق عوامل “التوازن البراغماتي”. مع المتغيرات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، والأولويات الاستراتيجية المتغيرة، وعت الرياض أكثر من غيرها، بأهمية دراسة المخاطر التكتيكية التي يمكن أن تُهدد تغيير المواقف، من خلال عملها الجاد والمؤسسي الدبلوماسي على توفير الحوارات الضمنية الإيجابية مع مختلف مراكز القوى الإقليمية، ووصول الأطراف جمعيًا إلى قناعة تامة بأهمية تعزيز مسألة الأمن والتنمية والازدهار لتحقيق الرفاهية لشعوب المنطقة، خاصة مع تراجع الاقتصاد، وزيادة معدلات البطالة، وتراجع مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.. دمتم بخير.  

«اليمن».. بعيدًا عن «العسكرة» قريبًا من «الاقتصاد»

وعت الرياض أهمية السير بخطين متوازيين، ما بين العسكري والاقتصادي، وهو ما تبلور في تأسيس الحكومة السعودية «للبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن»، الذي تبوأ بحسب منصة التتبع المالي للأمم المتحدة (FTS) المرتبة الأولى لعامين على التوالي (2022-2021)، كأكبر المانحين الدوليين بين المنظمات غير الأممية..
ابتداءً أرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات إلى خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، وإلى كافة أفراد شعبنا الكريم، بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك. تُعد المسألة اليمينة بالنسبة للإدارة السياسية السعودية مسألة في غاية الأهمية، خاصة إذا علمنا من أن اليمن يُمثل الحديقة الخلفية للسعودية، وبعيدًا عن العسكرة والاقتتال، أتصور أنه من المُجدي التركيز على الجانب الاقتصادي والتنموي باعتباره إطارًا محوريًا يرتبط بدورة حياة اليمنيين، ومواجهة تداعيات حرب استمرت زهاء الثماني سنوات تقريبًا. قبل أيام من مقال اليوم، كتبت تغريدتين في منصة تويتر، نالت آلاف المشاهدات، ذكرت في الأولى: “أن وقوف السعودية مع اليمن الشقيق يتجاوز الدعم السياسي، إلى البُعد الاقتصادي النوعي، فهناك 3 ملايين ونصف من إخواننا اليمنيين العاملين في السعودية يمدون اليمن بالعملة الصعبة، وهو ما أسهم في دعم هيكل البلاد الاقتصادي”، وفي الثانية كتبت: “كانت السعودية وما زالت سند تاريخيًا دائمًا للسعيدة، ليعلم القاصي والداني عمق اليمن بالنسبة لقيادتنا الرشيدة”. منذ اليوم الأول لحرب استعادة الشرعية اليمنية، وعت الرياض أهمية السير بخطين متوازيين، ما بين العسكري والاقتصادي، وهو ما تبلور في تأسيس الحكومة السعودية “للبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن”، الذي تبوأ بحسب منصة التتبع المالي للأمم المتحدة (FTS) المرتبة الأولى لعامين على التوالي (2021-2022)، كأكبر المانحين الدوليين بين المنظمات غير الأممية. تأسس البرنامج السعودي بأمر سامٍ كريم من لدن خادم الحرمين الشريفين في العام 2018، وجاء في الأساس لتقديم الدعم الاقتصادي والتنموي في شتى المجالات بالجمهورية اليمنية، وتحسين البنى التحتية ومستوى الخدمات الأساسية للشعب اليمني الشقيق فضلًا عن توفير فرص العمل، وذلك بالتعاون مع الحكومة اليمنية والسلطات المحلية في المحافظات ومنظمات المجتمع المدني. ولفهم عمق الدعم التنموي لبلاد السعيدة، قدم البرنامج السعودي منذ 2018 وحتى أبريل 2023، ما يقرب من (229) مشروعًا ومبادرة تنموية في 14 محافظة يمنية، وهو يعمل في سبعة قطاعات أساسية، وهي: التعليم، والصحة، والمياه، والطاقة، والنقل، والزراعة والثروة السمكية، وبناء قدرات المؤسسات الحكومية، إضافة إلى البرامج التنموية. فإذا أخذنا “قطاع الطاقة” -على سبيل المثال لا الحصر- الذي يُشكل الدافع الرئيس للنمو الاقتصادي، ساهم البرنامج في تقديم مشاريع ومبادرات تنموية بلغت 29 مشروع ومبادرة، انعكست على رفع كفاءة الطاقة وتحسين القدرات التشغيلية، وتعزيز استخدامات الطاقة النظيفة، كما أشرف البرنامج على منح المشتقات النفطية السعودية والتي وصلت دفعاتها إلى مختلف المحافظات اليمنية، وأسهمت في تحسين خدمات القطاعات الحيوية، وتحسين معيشة المواطنين اليمنيين، ورفعت من قدرات المؤسسات اليمنية العاملة في مجال الكهرباء، وقللت من انقطاعات الكهرباء ونسبة الفاقد الشهري، وخففت من العبء على ميزانية الحكومة اليمنية. ودعمت السعودية قطاع الصحة بصورة متكاملة وشاملة، منها بناء المرافق الصحية وإمدادها بالطاقة، وتوفير مخرجات تعليمية مؤهلة لخلق فرص عمل، وتكوين كادر صحي متمكن من تقديم الخدمات الصحية المطلوبة من خلال دعم الجامعات، فضلًا عن توفير خدمات الرعاية والوقاية والتوعية الصحية بكفاءة وفعالية والتي تسهم في جعل القوى العاملة أكثر إنتاجية وتطوير رأس المال البشري، والمساهمة في تعزيز صمود المجتمعات المستفيدة لمواجهة الصدمات بشكل أفضل. لا يكفي لاستدراك الدور السعودي لدعم المنظومة الاقتصادية والتنموية للشقيقة اليمن بعيدًا عن العسكرة، مقال أو اثنين أو ثلاث.. دمتم بخير.  

بعض من مرتكزات النفوذ السعودي

من حقائق النفوذ السعودي أن يدنا كانت دائمًا ممدودة للتفاهم مع الجميع على أساس من الاحترام المُتبادل، والالتزام بحسن الجوار، واحترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية أو التأثير عليها..
تعي الإدارة السياسية السعودية أهمية تعزيز نفوذها على مستوى الإقليم وبعض المحاور الدولية، الأمر الذي يتطلب منها الحضور النوعي، وذلك انطلاقًا من مصالحها القومية الاستراتيجية والجيوسياسية، فضلًا عن مركزية ريادتها للعالمين العربي والإسلامي، أضف إلى ذلك عمقها التاريخي ودرايتها السياسية كصانعة للسلام والاستقرار إقليميًا ودوليًا، وهي المعادلة المهمة إذا ما أردنا فهم بعض “من مرتكزات النفوذ السعودي” وتوسعه في أكثر من اتجاه وقضية، حتى باتت تحركاته محل تأثير وإقناع وقبول أممي. في السابع والعشرين من فبراير الماضي أصدر مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية تقريرًا تحليليًا متعمقًا تحت عنوان: “كيف أسهمت الحرب الروسية – الأوكرانية في تعزيز نفوذ دول الشرق الأوسط؟” وحدد الإطار الموضوعي 6 اتجاهات رئيسة مختلفة، وبعض ما جاء في سياقه، التطرق بشيء من التفصيل إلى محورية الدور السعودي، ودخوله كعنصر وساطة فاعل لتهدئة منسوب الحرب بين موسكو وكييف، خاصة مع تبني الرياض نهجًا محايدًا تجاه أطراف الصراع وعدم اتخاذ أي موقف يُفسر على أنها تساند طرفاً ضد آخر، وهو ما سهل من دورها كوسيط، وتأكيداتها المستمرة أكثر من مرة عن دعمها لكافة الحلول السياسية، والجهود الدولية الرامية لإنهاء الحرب، ولم تكتفِ بذلك بل تعمق دورها بعد وساطة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في الإفراج عن 10 من أسرى الحرب الأجانب في أوكرانيا. يفسر هذه التحركات بجلاء المؤتمر الصحفي المشترك الذي جمع وزير خارجيتنا الأمير فيصل بن فرحان مع نظيره الروسي سيرغي لافروف عقب مباحثاتهما الرسمية في العاصمة موسكو، والطروحات السعودية التي أكدت على استعدادها إلى تسهيل الحوار بين روسيا وأوكرانيا، والقيام بما يلزم لحل الصراع الدائر، حرصًا على استقرار سوق الطاقة العالمي. إحدى المرتكزات التي ساعدت السعودية على تعزيز نفوذها، تعميق مبدأ “السلام التنموي”، ويمكن الاستشهاد هنا بدعم الرياض للحوار اليمني – اليمني، فضلًا عن مساعيها التنموية في إخراج البلد من حالته الراهنة، فقدمت دعمًا تنمويًا واقتصاديًا نوعيًا للجمهورية اليمنية عبر البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، كرسالة تأكيد على اهتمامها بما يسهم في تحسين الحياة اليومية ويرفع من كفاءة البنى التحتية وتوفير فرص العمل لليمنيين، بل إن السعودية تصدرت المركز الأول في قائمة الدول المانحة لليمن بنحو 30 % من إجمالي الدعم منذ العام 2001 وحتى 2022، وتعد أكبر المانحين لها بأكثر من 934 مليون دولار، بحسب ما كشفه تقرير منصة التتبع المالي التابعة للأمم المتحدة (FTS) للعام 2021. ومن محددات النفوذ السعودي الدعوة إلى السلام وتصفير المشكلات، ونشير في هذا المفصل إلى “الاتفاق السعودي – الإيراني” الأخير، عبر تغليب مبدأ الدبلوماسية، والذي يأتي ضمن سياق إيمانها بأهمية الحوار سبيلًا لحل الخلافات، ومن حقائق النفوذ السعودي أن يدنا كانت دائمًا ممدودة للتفاهم مع الجميع على أساس من الاحترام المُتبادل والالتزام بحسن الجوار واحترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية أو التأثير عليها. انطلقت الرياض في حلحلة المسألة مع طهران من نافذة تعزيز أمن واستقرار الشرق الأوسط الذي يُمثل أولوية للسياسة السعودية بوصفه جزءًا حيويًا من أمن واستقرار العالم، خاصة في ظل التحديات الجيوسياسية والاقتصادية الحالية، وهو ما يستدعي العمل مع جميع الدول لإزالة كل مسببات التوتر والاحتقان وتحقيق الاستقرار لأهم منطقة حيوية في العالم، وهو ما سيكون له انعكاسات إيجابية على شعوب ودول المنطقة.. دمتم بخير.  

كيف نقرأ القمم الصينية في الرياض؟

لا يفترض أن تقرأ العلاقات مع الصين بأنها ضد أطراف محددة أو حلفاء آخرين، لكن المنظومة السعودية حاليًا ترى أن العلاقات في الوقت الحالي قائمة على أن الاقتصاد قبل السياسة، خاصة أن العالم اليوم يتجه لخلق شراكات جديدة،

القمة العربية الصينية.. والدبلوماسية السعودية الفاعلة

القمة العربية الصينية تُسهم في تعزيز دور المملكة كركيزة للأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، ومد جسور التواصل مع الصين، من خلال تنسيق مواقف الجانبين، والخروج بتصور وآليات تفاهم مشتركة وإطلاق ودعم المبادرات النوعية، ويعكس انعقاد القمة في المملكة حرص القيادات الصينية والعربية على تطوير أوجه التعاون المشترك ومواءمة التوجهات الاستراتيجية للدول العربية مع الصين كثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم..

التحالف المنقوص في العلاقات الروسية الإيرانية

القراءات التحليلية لمشهد العلاقات الروسية الإيرانية يفيدنا على الأرض بمسار مختلف عما تحاول له الماكنة الإعلامية الإيرانية، ومن يدور في فلكها من الإعلام الموازي له ترويجه، والتي تحاول بشتى الطرق من التأكيد بين الفينة والأخرى وصف العلاقة مع “موسكو” بـ”سياسة المحاور الاستراتيجية” في أكثر مناطق العالم حساسية من حيث الجغرافيا السياسية أو الاقتصادية.

قمة جدة.. الواقعية السياسية والتنموية والعسكرية

رسائل «قمة جدة» كانت واضحة بجلاء، وكانت ترتكز بالدرجة الأولى على أمن المنطقة وسلامها واستقرارها، وهي قاعدة لم تحد عنها المنهجية السياسية السعودية طوال عقودها السابقة، وهو ما يجعلها بحكم ثقلها السياسي والاقتصادي وموقعها المؤثر في العالمين العربي والإسلامي محل ثقة من قبل قادة وشعوب المنطقة..