بغض النظر عمّن سيجلس في البيت الأبيض في العام 2025، فإن الأزمات الأمنية التي يمكن التنبؤ بها والتي لا يمكن التنبؤ بها ستشتت الانتباه، لا سيما مع احتمال استمرار العداء والمواجهة الصينية والروسية مع الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم..
من الحيثيات التي بدأت تظهر علانية على سطح المشهد السياسي في عاصمة القرار بالولايات المتحدة الأميركية، “المراجعات العميقة” التي تقودها النخبة من المفكرين والباحثين الاستراتيجيين والصحافيين الأميركيين في تقييم طبيعة العلاقة المتراجعة بين الرياض وواشنطن، بعد تنصل الأخيرة من بعض واجباتها التحالفية مع المملكة العربية السعودية، خاصة ما يرتبط بتدعيم المظلة الأمنية.
لغة المراجعات الأميركية الخالصة بدأت تتسع في الشهور الأخيرة بشكل متصاعد؛ ويعود ذلك برأيي إلى ظروف ومتغيرات مشهد العلاقات بين الحليفين “المتباعدين”، ما أسفر عن تصعيد لغة النقد، وهو ما توجته حديثا الباحثة في مجلس السياسة الخارجية الأميركية، وكلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة، إميلي ميليكين، في مقال تحليلي بعنوان: “لماذا يجب أن يكون تحسين العلاقات مع السعودية أولوية لمرشحي الرئاسة الأميركية؟”، صادر عن منتدى الخليج الدولي.
صراحة مقال إميلي ميليكين مهم للغاية؛ لكونه يدق ناقوس الخطر بين النخبة السياسية الأميركية، خاصة المتربعين حاليًا في البيت الأبيض، وأهميته تكمن أيضًا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024، ويمكن وضع مرئياته كـ”وصفة علاجية سياسية” لمن سيصل لسدة الرئاسة الأميركية – أيًا يكن – ومطالبته بشكل واضح في الرجوع بإطار العلاقة التاريخية التي شكلت العلاقات السعودية الأميركية، بمعنى بسيط “ليس شرطًا أن نكون متوافقين في كل شيء، ولا يعني الاختلاف الخروج عن الصبغة التحالفية”.
سأجتهد في مقال اليوم بتلخيص ما ذهبت إليه ميليكين؛ لأنه يضع النقاط على الحروف في كثير من سياقات معادلة العلاقات بين السعودية وأميركا، ومما جاءت به: “مع إجراء انتخابات العام 2024، ووسط انقسامات حادة داخل الحزب الجمهوري بشأن مسائل السياسة الخارجية فإنه يجب على المرشحين الذين يستعدون لمتابعة الحملة الانتخابية أن يدركوا أن تحسين العلاقات مع السعودية أمر بالغ الأهمية لضمان الأمن الاقتصادي والوطني لأميركا، وإنه من الضروري أن ندرك أن أيام الصفقة الكبرى لـ “النفط مقابل الأمن” ولّت بلا عودة، كما حان الوقت لإشراك السعوديين على نطاق أوسع، في علاقة من أنداد تقوم على الثقة والاحترام المتبادلين”.
ووضعت كاتبة المقال ثلاثة مُحددات جوهرية لاستئناف العلاقات بين واشنطن والرياض؛ أهمها: “أنه يجب على الولايات المتحدة العودة إلى علاقة الاحترام المتبادل مع السعودية، وعلى المرشحين إعطاء الأولوية لبناء الثقة والتعاون مع القادة السعوديين من خلال التحضر والحوار المفتوح، والانخراط في محادثات صريحة”، وتقول أيضًا: “يمكن للولايات المتحدة تشجيع التعاون السعودي في حماية المصالح الأمنية الأميركية، وأن تؤدي هذه المحادثات أيضًا إلى إصلاحات ذات مغزى طالما أنها بناءة وليست نقدية بطبيعتها”.
بغض النظر عمن سيجلس في البيت الأبيض في العام 2025، فإن الأزمات الأمنية التي يمكن التنبؤ بها والتي لا يمكن التنبؤ بها، ستشتت الانتباه، لا سيما مع احتمال استمرار العداء والمواجهة الصينية والروسية مع الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، وهنا أضم صوتي لصوت إميلي ميليكين، فلا يجب أن يكون الشرق الأوسط منطقة تواجه فيها الولايات المتحدة معارضة لأهدافها الأمنية والاقتصادية، لذا على صناع القرار في الأبيض – ديمقراطيين / جمهوريين – أن يضعوا مسار تحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية أولوية رئيسة في السياسة الخارجية.. دمتم بخير.