ما قامت به السعودية، وبإشراف من ولي العهد، إنما هو واجب تتشرف به الدولة، فهدفها الأسمى يتمثل بالدرجة الأولى في الحفاظ على سلامة وأمن الحجيج، الذين ادخروا كل أموالهم من أجل أداء هذا النُسُك العظيم..
ابتداءً نهنئ القيادة الرشيدة ومنظومة القطاعات الأمنية والمدنية ذات العلاقة، على نجاح خطة موسم حج 1445هـ / 2024م، والذي لم يكن ليحصل لولا فضل الله أولًا وآخرًا، ثم بالجهود والخطط المُحكمة التي تم العمل عليها بتوجيهات ورعاية قادة بلادنا -حماها الله- من نهاية كل موسم حج، والتي شهدنا ثمارها ولله الحمد، كما أسأله سبحانه أن يتقبل من ضيوف الرحمن الذين أتوا من كل فج عميق أداء هذا النُسك العظيم.. فحج مبرور وسعيٌ مشكور وذنب مغفور. بعد انتهاء موسم حج هذا العام على خير، أتصور كمراقب عن كثب للديناميكية الإعلامية الإقليمية والدولية، الوقوف عند بعض الدلالات والمُعطيات التي سبقت أداء شعائر هذا الموسم، والتي أزعم اطلاعي عليها ورصدها بشكل دقيق، لبلورة المواقف وتفكيك ما يمكن تفكيكه، خاصة ما يتعلق بالهجوم الممنهج من أطراف محسوبة على أطراف هنا وهناك بعضها سياسي بامتياز، وأخرى يمكن وضعها تحت خانة «الشرعية المُسيسة» القابعة خلف أجندة، الله أعلم بمآلاتها ونياتها وأهدافها الخلفية.
لست هنا في معرض الوقوف في مفصل «رد الفعل» أو محاولة الإجابة عنها، ولكن ما أسعى له، هو المحاولة الجادة في تصويب المواقف بالنسبة للرأي العام الوطني والإقليمي والدولي، انطلاقًا من منصة السؤال المركزي: لماذا كان الحج بالنسبة للحكومة السعودية خطاً أحمر؟ أتصور أنه من المهم إعطاء تحليل شامل، يُبرهن أهمية الأخذ بمنظور «فقه الواقع» طالما أننا نعيش في ظل تطورات متلاحقة وسريعة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وسكانيًا، وهو ما يُحتم علينا مواجهة قضايا فقهية مستجدة متكاثرة، ومن تلك النوازل كيفية «الوصول إلى الحج الآمن»، وهي الركيزة التي انطلقت منها أجهزة دولتنا في تسيير شعائر موسم حج هذا العام، وأهمية حصول حجاج الخارج والداخل على تصريح يُخول لهم نظاميًا أداء الشعيرة – وهي النتيجة التي تمت ولله الحمد في نجاح الموسم – وفقًا للخطط المرسومة، فالدولة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده والأجهزة المعنية التي كانت حازمة في تطبيق الإجراءات وعدم التساهل فيها، إنما انطلقت من واقع مسؤوليتها، في رعاية كل حاج نظامي، وتقديم كافة الخدمات التي تُسهل عليه حجه مع إثراء تجربته الإيمانية، وليس ذاك فقط، بل يمتد الأمر إلى توفير الرعاية الصحية الشاملة له، والمحافظة على أمنه وسلامته، من قبل أن تطأ قدماه أراضيها حتى مغادرته لها.
لذلك كنا نرى في شاشات التلفزة سرب سيارات الهلال الأحمر السعودي المتجه من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة لتفويج الحجاج المنومين في المستشفيات للمشاعر المقدسة، وهذا على سبيل المثال لا الحصر. أستعجب المواقف التي رصدتها قبل بدء الشعيرة، والتي تلبس بعضها ثوب الشريعة، وتأكيدها على أن عدم إصدار تصريح الحج ليس ضرورة شرعية، تساءلت حينها: من أي منبع شرعي يغرف هؤلاء؟ لكن في المقابل حرصت على تتبع الآراء الشرعية خلال ندوة الحج الكبرى التي تُقام سنويًا منذ 48 عامًا – قبل بدء موسم الحج- خاصة الكلمة التي ألقاها الدكتور فهد الماجد، أمين عام هيئة كِبار العلماء، نيابة عن سماحة المفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، والتي أنقلها بتصرف، وهي أنه عندما أصدرت المملكة الأنظمة والتعليمات جاءت لترتيب أوضاع الحجاج للتسهيل من تنقلات وأداء الشعائر، ومن خلال الكوتة المتفق عليها من منظمة التعاون الإسلامي، والتي أقرت لكل دولة ألف حاج من قبل بلدهم مقابل كل مليون نسمة من سكانها، ومَن لم يتمكن من استخراج تصريح الحج من هذه البلاد من المواطنين والمقيمين، فهو في حكم عدم المستطيع، كما أن اتباع الأنظمة من طاعة الله ورسوله، ومَن لم يستخرج تصريح الحج فهو آثم.
ما قامت به السعودية، وبإشراف من ولي العهد، إنما هو واجب تتشرف به الدولة، فهدفها الأسمى يتمثل بالدرجة الأولى في الحفاظ على سلامة وأمن الحجيج، الذين ادخروا كل أموالهم من أجل أداء هذا النُسُك العظيم.
فإذا علمنا عُمق هذا المقصد ودلالاته الشاملة، سنعي الإجراءات التي وضعتها الدولة ومقاصدها.. دمتم بخير.