أفريقيا هي محط اهتمام الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، إلى جانب الدول الصاعدة، ودور السعودية العالمي المتنامي يتطلب توسع العلاقات مع الشرق والغرب، ومنها القارة الأفريقية، فاستضافتها للقمة المنعقدة قبل أيام قليلة، وحضور هذا العدد الكبير من القادة الأفارقة في الرياض، مؤشر لتأسيس تعاون استراتيجي يصب في مصلحة الطرفين، ويعكس في المقابل دورها القيادي على المستويين الإقليمي والدولي
تابعت العديد مما يمكن أن يُطلق عليه “الأسئلة الاستحقاقية” منذ الإعلان عن عقد المملكة العربية السعودية لـ”القمة السعودية الأفريقية”، وكانت كثيرة للأمانة، خاصة من حيث دلالتها وتوقيتها، إلا أن أهمها، هو السؤال الآتي:” لماذا تهتم الحكومة السعودية بالقارة الأفريقية؟”، والإجابة عن ذلك تكمن في تصريحات وزير الاستثمار المهندس خالد الفالح، خلال كلمة له في المؤتمر الاقتصادي السعودي العربي الأفريقي، مفادها أن السعودية تتجه إلى ضخ استثمارات ستغير قواعد اللعبة في أفريقيا، وهو ما يعني –وفقًا للمراقبين- استعداد الرياض للانخراط في سباق الدخول الواسع في القارة السمراء، بما يتماشى مع الأهداف الإستراتيجية لرؤية 2030 الطموحة.
القراءات التي رصدتها في هذا الموضوع متعددة، إلا أن أهمها: تصاعد حجم مراهنة السعودية على أفريقيا كوجهة اقتصادية واستثمارية من ناحية، ومن ناحية ثانية كساحة للتنافس الدولي والإقليمي الذي تريد الرياض أن تكون طرفًا مؤثرًا فيه، ومنافسة لنفوذ القوى الإقليمية في القارة السمراء.
ومن العناوين السياسية الخلفية للقمة السعودية – الأفريقية، ما ذكره الدكتور خالد منزلاوي، الأمين العام المساعد للجامعة العربية للشؤون السياسية، وهو برأي من التصريحات التي استوقفتني كثيرًا؛ لأنها تحمل مضامين مهمة، قال فيها:” إن أفريقيا تحتاج إلى الاستثمارات والتجارة والمشروعات التنموية، فالقوى الكبرى لها أجندات بعكس الوجود السعودي الذي يسهم في الأمن والاستقرار والتنمية، فهناك تقاطع بين الدول الأفريقية ورؤية السعودية 2030، التي تتطلع إلى التنمية المستدامة الاقتصادية”.
أفريقيا هي محط اهتمام الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، إلى جانب الدول الصاعدة، ودور السعودية العالمي المتنامي يتطلب توسع العلاقات مع الشرق والغرب، ومنها القارة الأفريقية، فاستضافتها للقمة المنعقدة قبل أيام قليلة، وحضور هذا العدد الكبير من القادة الأفارقة في الرياض، مؤشر لتأسيس تعاون استراتيجي يصب في مصلحة الطرفين، ويعكس في المقابل دورها القيادي على المستويين الإقليمي والدولي.
وتجسيداً للدور الريادي السعودي، دعم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الجهود الدولية والإقليمية الرامية لإرساء دعائم الأمن والاستقرار وحل النزاعات في القارة الأفريقية، مما أثمر توقيع اتفاق جدة التاريخي للسلام بين إثيوبيا وإريتريا، كما استؤنفت المحادثات بين طرفي النزاع في السودان بمدينة جدة، بغرض الوصول لاتفاق سياسي بما يحقق الأمن والاستقرار والازدهار للسودان وشعبه.
تولي المملكة القارة الأفريقية اهتماماً خاصاً، وتسعى لتعزيز علاقاتها الاقتصادية معها، حيث بلغ إجمالي استثمارات المملكة في أفريقيا خلال العشر أعوام الماضية 49.5 مليار ريال، وبلغ عدد الشركات السعودية العاملة في أفريقيا 47 شركة تعمل في مجالات الطاقة المتجددة، والمأكولات والمشروبات، وخدمات الأعمال، والخدمات المالية، والمنتجات الاستهلاكية.
أبرزت مشاركة ولي العهد في قمة مواجهة تحدي نقص تمويل أفريقيا التي اُقيمت في باريس عام 2021، اهتمام الرياض البالغ بمستقبل القارة الأفريقية ودولها وشعوبها، بل أسهمت جهود الأمير محمد بن سلمان خلال رئاسة المملكة لمجموعة العشرين، في إطلاق مبادرة مجموعة العشرين لتعليق مدفوعات خدمة الدين، ومبادرة إطار العمل المشترك لمعالجة الديون، حيث وفرت المبادرتين سيولة عاجلة لـ73 دولة من الدول الأشد فقراً من ضمنها 38 دولة أفريقية حصلت على أكثر من 5 مليارات دولار.
ولم يتوقف الاهتمام السعودي عند هذا الحد، فقد حرص ولي العهد على دعم اقتصاد دول القارة الأفريقية، حيث أطلق صندوق الاستثمارات العامة عدداً من المشروعات والأنشطة الاستثمارية في دول أفريقيا في قطاعات الطاقة والتعدين والاتصالات والأغذية وغيرها بإجمالي 15 مليار ريال سعودي.
الرسالة السعودية من عقد القمة، تتبلور في دعم الرياض للجهود الدولية الرامية لإيجاد حلول مبتكرة تساعد دول القارة الأفريقية على استغلال ثرواتها ومقدراتها الذاتية، بما يُعظم الأثر الإيجابي لاستثمارات المملكة ومشروعاتها التنموية في القارة السمراء على اقتصاد ومجتمعات دولها، وخفض نسبة البطالة والفقر، والتأسيس لشراكة مثمرة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية.