الجهود المُتكاملة التي قادتها محافظة الأحساء بالتعاون مع وزارة السياحة، ووزارة الشؤون البلدية والقروية ممثلة في «أمانة الأحساء، ووزارة الثقافة ممثلة في هيئة التراث»، ووزارة الداخلية ممثلة في شرطة المحافظة، والقطاع الخاص، انعكست بشكل ملحوظ على خارطة مشهد الزيارات التي تجاوزت النصف مليون زائر من داخل وخارج المملكة..
يُعَّد “الجرد” في علم المُحاسبة فحصًا شاملًا لجميع الحسابات التي يتضمنها ميزان المراجعة بنهاية السنة المالية في ضوء المبادئ المحاسبية المتعارف عليها والمقبولة قبولاً عامًا، لذلك هو عملية في غاية الأهمية لمعرفة المواضع الإيجابية ونقاط التحسين -على حد سواء- التي تقودنا غالبًا إلى مضاعفة التطوير في السنة التالية.
وبعيدًا عن إجراءات الجرد المحاسبي، كان لدينا في المقابل جرد مختلف لمكتسباتنا التنموية والاقتصادية الوطنية من النسخة الثانية والعشرين لمسابقة كأس العام 2022، ويمكن الاستدلال هنا بأحد المحافظات المتميزة وهي “محافظة الأحساء”، التي استطاعت بقيادة محافظها الشاب الأمير سعود بن طلال بن بدر، أن تُفعَّل العنصر التكاملي بين القطاعين العام والخاص، وجعل “واحة النخيل” الوجهة السعودية الأولى لكافة المشجعين العالميين القادمين من الدولة المستضيفة “قطر”، عبر منفذ سلوى، واستيعابهم بشكل مختلف من خلال روزنامة متنوعة من الفعاليات والمهرجانات النوعية دمجت من خلالها بين التراث والثقافة والترفيه، وهو ما عزز من حضورها التنموي في شقيه “السياحي” و”الاقتصادي”.
استطاعت الأحساء بفعل ما تجهزت له منذ وقت مبكر أن تجعل منها ملاذًا سياحيًا وثقافيًا من خلال إبراز المواقع التراثية، وتقديم ملامح مختلفة عما يبحث عنه الزوار العالميون، وبرأي أن هذه المدينة كانت ولا تزال ميناءً بريًّا وتجاريًّا نابضًا بالحياة ومشبعةً بالجمال، وممتدةً على صفحات التاريخ تكسوها الأصالة والعراقة، وإلى جانب كونها أحد محطات توقف القوافل في التاريخ، امتازت بكونها بوابةً للحجاج القدامى ممن كانوا يعبرون الجزيرة العربيَّة متوجهين إلى مكة المكرمة، وتحتوي معالمها الأثرية على آثارٍ لعددٍ من المستوطنات البشرية الممتدة إلى العصر الحجري الحديث؛ مما يجعلها ملاذاً لعشّاق التاريخ، وجنّةً لهواة الآثار.
الجهود المُتكاملة التي قادتها محافظة الأحساء بالتعاون مع وزارة السياحة، ووزارة الشؤون البلدية والقروية ممثلة في “أمانة الأحساء، ووزارة الثقافة ممثلة في هيئة التراث”، ووزارة الداخلية ممثلة في شرطة المحافظة، والقطاع الخاص، انعكست بشكل ملحوظ على خارطة مشهد الزيارات التي تجاوزت النصف مليون زائر من داخل وخارج المملكة متنوعة بين الزوار الأوربيين، والآسيويين، واللاتينيين، والخليجيين، ومن كافة الدول العربية، وهو ما يؤكد قدرتها على أن تصبح مستقبلًا واجهة سياحية ثقافية عالمية.
أحد الأرقام الصادرة عن الجهات الرسمية ذات العلاقة، والتي تدل على الموقع السياحي لهذه المدينة الضاربة في عمق التاريخ، أن 41% كانت نسبة الرحلات اليومية للأحساء من حاملي بطاقات “هيا” عبر منفذ سلوى، وهذا يؤكد بما لا يدُع مجالًا للشك ما حققته المحافظة قبل وأثناء مونديال كأس العالم، وهي تجربة نوعية تستحق الدراسة والتطوير، وبما يتماشى مع التطلعات الكبيرة لـ”واحة النخيل”.
من أبرز ما يمكن الاصطلاح عليه بـ”الفعاليات المونديالية”، الذي نظمته الأحساء خلال بطولة كأس العالم وفاز بها “ميسي ورفاقه”، كان مهرجان “واحة الأحساء” الذي تمدد مرتين متتاليتين بسبب الإقبال الكبير للزوار عليه في 6 مواقع تراثية، وهي: “قصر إبراهيم التاريخي، بيت البيعة، المدرسة الأميرية، سوق القيصرية، عين نجم، قصر محيرس”، وهو ما يعكس عمق المحافظة التاريخي، من خلال العديد من الفعاليات الثقافية والترفيهية، من بينها: الاحتفاء بعام القهوة السعودية، وإقامة نخبة من الندوات والأمسيات الشعرية، والعروض الموسيقية الحية، والفنون الشعبية، كما تخلله عدد من المعارض، والتي تشمل معرض الحرف اليدوية، ومعرض للمنتخب السعودي، وعرض مباشر لمباريات كأس العالم على شاشات عرض ضخمة (أثناء سريان البطولة)، ومناطق مخصصة للأسواق الشعبية والمطاعم المحلية الرائدة.
في المحصلة النهائية، نجحت محافظة الأحساء أن تجذب جمهور كأس العالم إليها، من تعريفهم بتراث المملكة في الأحساء وأصالتها العريقة، وتعريف الجماهير المهتمة بها.. دمتم بخير.