التحديات الضخمة التي تواجهها أنظمة تحقيق العدالة الجنائية، بسبب سرعة وتعقيدات التطور التكنولوجي، وتوظيف المجرمين لبعض وسائطها في أعمالهم غير المشروعة لخدمة مقاصدهم الإجرامية، مستغلين بذلك توجه العالم إلى الاقتصاد الجماعي وتحقيق التواصل والتكامل الاقتصادي، خاصة مع حرص دول العالم على الوصول إلى درجات عالية من سرعة العمليات البنكية..
المشهد العام الذي يُقلق بلدان العالم قاطبة من أقصاه إلى أقصاه، هو التوسع المُرعب في رقعة التهديدات السيبرانية الاحتيالية، التي تمركزت تقريبًا في كل تفاصيل حياتنا بالألفية الجديدة، حتى باتت من المعوقات الحقيقية التي تُهدد تماسك نسيجنا الاقتصادي بشقيه الكُلي والجزئي، فضلًا عن تهديد اقتصاد أفراد المجتمعات المحلية، وتجلى ذلك بصورة أكبر مع التطور السريع لزيادة استخدام التكنولوجيا الرقمية، والتحول الديناميكي للدول للدخول نحو “الاقتصاد الرقمي”.
علينا أن نقر بوجود هاجس أممي أمني –إن صحت العبارة- من دخول أطراف من المنظمات الإجرامية والمصنفة على لوائح الإرهاب الإقليمي والدولي، في جرائم الاحتيال المالي العابر للحدود، وهو ما زاد من العبء على المنظومات الأمنية عمومًا، التي باتت في خط الدفاع الأول في هذه المعركة التي لن تستطيع الدول بمفردها مواجهتها، وهذا ما تقوم به الحكومة السعودية من خلال صناعة “أجهزة النيابات العربية”؛ لمكافحة مخاطر الجرائم المنظمة عبر الوطنية، والعمل على بناء تكامل قضائي لتحقيق العدالة الجنائية الناجزة، وكيفية تذليل الصعوبات التي قد تواجه تعزيز التعاون القضائي الدولي.
في نهاية الأسبوع الماضي كنت على اطلاع معلوماتي قريب من الاجتماع السنوي الثاني للنواب العموم العرب الذي نظمته واستضافته “النيابة العامة”، بمشاركة عربية ودولية نوعية، تحت عنوان “قضايا الاحتيال المالي، والأمن السيبراني، وصلتهما بالجرائم المنظمة عبر الوطنية”.
هذا الحدث رغم صبغته الأمنية الخالصة، إلا أنه سيحمل الكثير من التداعيات المستقبلية؛ لأنه يرتبط بالتطور التكنولوجي والتقني الهائل والتوسع في تطبيق الرقمنة كأداة أساسية لحوكمة العمل الإداري، وما صاحبه من تداعيات اقتصادية وأنماط سلوكية جديدة، اتخذت من هذا التطور فرصة سانحة لتنفيذ الأعمال الإجرامية، وهو ما أدى إلى ظهور أنماط إجرامية جديدة كالجرائم المعلوماتية، وجرائم الاحتيال المالي، الأمر الذي من شأنه التأثير بشكل سلبي على النظام العام والمصالح الاقتصادية.
نظرًا لاهتمامي المهني بمتابعة وتقصي الحوادث الإرهابية التي ضربت السعودية في بعض الأوقات، تابعت كلمة النائب العام السعودي، الشيخ سعود المعجب خلال الاجتماع، الذي استطاع تفكيك هذا المشهد –وسأنقله بتصرف- لتأكيد المسارات التي يستند عليها، وهو: “أن التحديات الضخمة التي تواجهها أنظمة تحقيق العدالة الجنائية، بسبب سرعة وتعقيدات التطور التكنولوجي، وتوظيف المجرمين لبعض وسائطها في أعمالهم غير المشروعة لخدمة مقاصدهم الإجرامية، مستغلين بذلك توجه العالم إلى الاقتصاد الجماعي وتحقيق التواصل والتكامل الاقتصادي، خاصة مع حرص دول العالم على الوصول إلى درجات عالية من سرعة العمليات البنكية، لما لهذا التسريع من ارتباطٍ بتعزيز ريادة الدول في قطاعاتها المالية، وتقليل أثر الاعتماد على التعاملات النقدية التقليدية، وما يعرض لها من عوارض، وما يحققه من تسهيل لإجراءات الدفع والتحصيل، وهو ما أنتج تحديات كبيرة في مجال الاحتيال المالي، حتى صارت من القضايا المؤرقة للمجتمعات، الماسة باقتصاداتها”.
برأيي أن هذا الاجتماع هو خطوة في الاتجاه الصحيح، نحو توحيد الجهود الإقليمية وتطوير أساليب العمل بأجهزة النيابات، لمكافحة الجريمة بالإجراءات الأمنية والقضائية على السواء، وتطوير أساليب العمل بأجهزة النيابات؛ لتكافئ ذلك التطور المتسارع في الجريمة، وهو ما يستلزم دعمًا لوجيستيًا وفكريًا، بتدريب أعضاء النيابات تدريبًا مستمرًا؛ من أجل الإحاطة بما يستجد في الواقع.. دمتم بخير.