توالت المصائب على كافة أطياف الشعب اللبناني خاصة، والفرقاء السياسيين على وجه العموم، بعدما دخلت ميليشيا طهران إلى الحياة السياسية النيابية في العام 1992، لتبدأ معها مرحلة السيطرة على القرار السياسي للدولة، تحت تهديد السلاح، وأصبح مرهوناً بالأجندة الإيرانية..
عندما سُئل الرئيس اللبناني ميشال عون في مثل هذا الشهر من العام الماضي (21 أيلول / سبتمبر 2020) إلى أين تتجه بلاده، فكان جوابه دون أدنى تردد منه “إلى جهنم” إذا لم تُشكل حكومة جديدة، هذا ما قاله فخامته ولم ينطق به أحدٌ غيره، و “أهلُ قصر بعبدا أدرى بشعابهم ومآلاتهم السياسية”.
من السذاجة السياسية والفكرية اليوم عدم طرح الأسئلة التالية على الذاكرة الجمعية اللبنانية، وهي: من المُتسبب أو من يتحمل اليوم هذا الضياع والتيه الكبير الذي يعيشه اللبنانيون؟، ومن الذي رهن البلاد والعباد لأجندات خارجية لم تبق ولم تذر من عافية السياسة والاقتصاد اللبنانية شيئا يذكر؟، وضمن أي إطار حقوقي يُجر هذا البلد إلى هذه الهاوية السحيقة التي دمرت بلا أدنى رحمة أو تفكير مستقبل الأجيال القادمة؟، ومن الذي أحل الكوابيس على الأفئدة والعقول بدلًا من الأحلام؟، ومن جعل الهجرة وجر الشنط أمل الشباب الأخير للخروج من عنق زجاجة بلادهم؟، ومن سيخبر فيروز أن أغنيتها التي تقوم فيها “يا سنين اللي رحتي ارجعيلي” أنها لن تُعد أو ترجع ما دام علم بني الأصفر يجثم عليها؟.
لست بمعية تقديم الإجابات الواضحات عن كل الأسئلة السابقة؛ لأن طرح التساؤلات في العالم الخاص للسياسة اللبنانية، أهم بضعف مئة مرة من الإجابة عليها، فالسؤال في بعض المناطق المظلمة، هو أبلغ تفسير وتصريح وتلويح.
لبنان اليوم ليس على مفترق طرق، بل هو سائر في الطرق المفترقة أصلًا، فـ”باريس الشرق الأوسط” التي سطع نجمها منذ خمسينات القرن الماضي، سيطرت عليها آلة الموت والدمار الإيرانية “حزب الله”، ودونكم التفكير العقيم الذي تفوه به مؤخرًا نعيم قاسم نائب الأمين العام للحزب، ويقوله فيه إن “الثمن الذي يدفعه لبنان له علاقة بالعمل لإعادته إلى دائرة السيطرة الأميركية الإسرائيلية، ونحن علينا أن نتصدى”، لذلك قلت إن طرح الأسئلة في الحالة اللبنانية أهم من تقديم الإجابات.
ما الذي قدمته إيران؟ وما الذي قدمته السعودية؟، يمثل هذان السؤالان مفترق التفكير الذي يجول بخواطر اللبنانيين السياسية، كم حاولت الرياض مراراً وتكراراً بالدعم السياسي والاقتصادي والاستثماري، فك ارتباط لبنان بالمشروعات الهدامة التي لم تجلب له سوى الموت والدمار والفقر، فمنذ اتفاق الطائف (وثيقة الوفاق الوطني اللبناني) في العام 1989 الذي وضع حدًا لنهاية الحرب الأهلية بوساطة سعودية، والحزب المدعوم منذ نشأته من الحرس الثوري الإيراني، يرفض نزع سلاحه وتسليمه للدولة، تحت ذريعة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للبلاد، فماذا حصل بعد خروج المحتل؟.
توالت المصائب على كافة أطياف الشعب اللبناني خاصة، والفرقاء السياسيين على وجه العموم، بعدما دخلت ميليشيا طهران إلى الحياة السياسية النيابية في العام 1992، لتبدأ معها مرحلة السيطرة على القرار السياسي للدولة، تحت تهديد السلاح، وأصبح مرهونا بالأجندة الإيرانية، لذلك غامر الحزب بالدخول في حرب 2006 مع الإسرائيليين، دون أي إجماع وطني لبناني، فتسبب بهلاك العباد والبلاد.
وتحت قاعدة “لا صوت يعلو فوق صوت السلاح”، ما تزال الذاكرة اللبنانية منتعشة بأحداث 7 آيار/ مايو 2008، وكأنه فصل جديد من أهوال الحرب الأهلية التي استمرت خمسة عشر عامًا، بعدما قرر مجلس الوزراء اللبناني مصادرة شبكة الاتصالات التابعة لسلاح الإشارة الخاص بحزب الله، وإقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت الدولي العميد وفيق شقير، لكن ماذا فعل الحزب حينها؟ أغار على الدولة وحمل ضدها السلاح، واشتبك مع الجماعات السنية المنافسة له، وهو ما جعل الحكومة في ذلك الوقت تسحب القرارين السياديين محل النزاع؛ والتوصل إلى اتفاق تقاسم السلطة مع الحزب الإيراني الهوى وحلفائه، وإعطائهم نسبة الثلث المعطل الذي يوازي حق النقض “الفيتو”، والقادر على وقف أي قرار حكومي، لا يسير وفق مرئياتهم السياسية.
اللافت عند استعراض الأبعاد التاريخية، كان الحزب يقاتل في كل معركة انتخابية لأخذ الحقائب الوزارية المهمة؛ لتغطية أنشطته المشبوهة، وهو ما كشفته عنه “ويكيليكس” عندما نشرت تسريبًا لانتخابات 2010، ذكرت فيه أسباب إصرار الحزب على حقيبتي “المالية” و”الزراعة”، فكانت الأولى لحمايته من التورط في غسل الأموال، وأما الثانية لاعتماده بشكل متزايد على نيترات الأمونيوم المستخدمة في تصنيع المتفجرات، وما انفجار مرفأ بيروت الهائل والمفجع العام الماضي إلا أحد الأوجه التخريبية للحزب؛ بسبب تخزينه للأمونيوم، ما أدى لمقتل وإصابة مئات المدنيين وتدمير المناطق السكنية المحيطة بالمرفأ.
ومع تصاعد الحرب في سورية، قاتل الآلاف من عناصر الحزب في صفوف قوات الأسد، ما أجج التوتر الطائفي في لبنان، وتجذير الخلاف مع السعودية، ما دفعها إلى قيادة تحرك ضده بالجامعة العربية في العام 2016 لإعلان حزب الله “منظمة إرهابية” متهمة إياه بالقيام بـ”أفعال عدائية”.
ولم يكتفِ الحزب بذلك، فانتهج مؤخرًا طريقة جديدة لزيادة مدخولاته المالية، من خلال تهريب المخدرات، ما تسبب في خسائر عميقة للمصدرين اللبنانيين وتشويه صورة لبنان أمام العالم، بعدما اكتشفت السلطات السعودية كميات هائلة من الهيروين والحبوب المخدرة مخبئة في شحنات للفواكه، ما اضطرها إلى إغلاق الباب تمامًا أمام البضائع اللبنانية.. الآن علمنا فعلًا أن لبنان يسير إلى “طريق جهنم”.. دمتم بخير.