في مارس الماضي أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن إطلاق مبادرتي “السعودية الخضراء”، و”الشرق الأوسط الأخضر”، اللتين حظيتا بتأييد عالمي من قبل الدول والمنظمات الدولية..
في دراسة تعود إلى المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، استنتجت من خلالها أنه من المرجح أن يصل العالم إلى حد مؤشر درجة الحرارة العالمية الذي حدده علماء المناخ، في واحدة من السنوات الخمس المقبلة، وتتوقع أنه بحلول العام 2025، فإن هناك احتمال بنسبة 40 %، أن تكون درجة الحرارة العالمية لعام واحد على الأقل أشد سخونة بـ 1.5 درجة مئوية عن مستوى درجة الحرارة العالمية ما قبل الثورة الصناعية، وتعد (1.5 درجة مئوية) الحد الأدنى لدرجة الحرارة العالمية التي حددتها اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ، التي دعا العلماء إلى عدم تخطيها من أجل درء أسوأ آثار تغير المناخ.
أهمية طرح هذا الموضوع يأتي مع اقتراب مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين لتغير المناخ (COP26) في غلاسكو خلال الفترة من 31 أكتوبر إلى 12 نوفمبر 2021، تحت عنوان “توحيد العالم لمواجهة تغيرات المناخ”، وتهدف إلى جمع ممثلي المجتمعات الزراعية والمدن والولايات والمناطق المختلفة لتهيئة حيز لإجراء حوار بنَّاء عن الغذاء وتغير المناخ، وتحسين الفهم المتبادل لطموحات وظروف الآخرين، وبناء روابط وشراكات جديدة، والسعي نحو إصدار إعلان رفيع المستوى بشأن الحاجة إلى سياسات غذائية متكاملة لمعالجة حالة الطوارئ المناخية.
هناك إشكالية حقيقية عند النظر لهذا الملف، هي تباين نظرة الدول تجاه “التغير المناخي”، فبعضها يراها معضلة وجودية، والبعض الآخر يعتقد أنها غير ذات قيمة، وبالنسبة للسعودية، فهي رفعت درجة اهتمامها بهذه القضية إلى مستوى “الأمن القومي”، فواصلت مساعيها من أجل كبح التغير المناخي مع استمرار النمو السكاني وزيادة الانبعاثات خلال رئاستها لقمة دول العشرين، المسؤولة عن 80 % من مجمل الانبعاثات الكربونية حول العالم، مع استشعار ضرورة الوصول إلى حلول ناجعة وفق منظور أممي تُغلب فيه مقومات الحياة واستدامتها على أساس أنها قضية دولية تجثو بتأثيرها على وجه البسيطة وقاطنيها، مستندة في جهودها على تحقيق التوازن بين حماية البيئة والنمو الاقتصادي والتنمية المستدامة والجانب الإنساني في المسؤولية أمام الأجيال القادمة، وهو ما حددته بوضوح في رؤيتها الطموحة 2030.
في مارس الماضي أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن إطلاق مبادرتي “السعودية الخضراء”، و”الشرق الأوسط الأخضر”، اللتين حظيتا بتأييد عالمي من قبل الدول والمنظمات الدولية، وذكر مقولته الشهيرة: “بصفتنا منتجاً عالمياً رائداً للنفط، ندرك تماماً نصيبنا من المسؤولية في دفع عجلة مكافحة أزمة المناخ، وأنه مثل دورنا الريادي في استقرار أسواق الطاقة خلال عصر النفط والغاز، فإننا سنعمل لقيادة الحقبة الخضراء القادمة”، هذا التوجه من القيادة يُعطي دلالات على موقع هذه القضية العالمية على طاولة “الحكومة السعودية”.
وأسهمت الجهود السعودية في تنمية المحميات الوطنية الطبيعية من 4 % إلى أكثر من 14 %، وزيادة مساحة الغطاء النباتي في المملكة بنسبة 40 % لمواجهة التصحر، حيث يقدر أن 13 مليار دولار تستنزف من العواصف الرملية في المنطقة كل سنة.
صحيح أن المملكة دولة نفطية، إلا أن حماية البيئة والمحافظة على استقرار أسواق الطاقة يقع في قلب تنميتها المستدامة، ومن يتتبع مقاصد رؤيتها سيرى جهودها في إعادة تشكيل خريطة تنويع مصادر دخلها الاقتصادي بعيدًا عن النفط، للتخفيف من الآثار المترتبة على تغير المناخ، وتحقيق استراتيجية ناجحة لأهداف التنمية المستدامة في الشقين الاقتصادي والبيئي على حد سواء.
ومن الجهود الوطنية المبذولة في هذا الإطار، إطلاقها البرنامج الوطني لكفاءة الطاقة في العام 2012، لدعم مبدأ “الاقتصادي الدائري للكربون”، مستشعرةً الخطر ومستبقةً العالم الذين أقروا في العام 2016 اتفاقية دولية لتجنب التدخلات الخطيرة الناشئة عن الأنشطة البشرية في النظام المناخي متمثلة في اتفاقية باريس للتغير المناخي.
ومن الشواهد العملية، إنشاء “سابك” أضخم منشأة في العالم لتنقية ثاني أكسيد الكربون بمقدار 55 ألف طن سنويًا، وتخطط أرامكو إلى استخراج النفط المحسّن بمقدار 800 ألف طن سنويًا، لتصبح واحدة من أنظف الصناعات النفطية عالميًا، مستثمرةً مليار دولار سنوياً من مجموع 7 مليارات دولار لإيجاد الحلول المخفضة لنسبة الكربون في النفط والغاز والصناعات والنقل التجاري.
وفي مجال “الهيدروجين الأخضر”، تم تطوير أكبر منشأة عالمية في منطقة نيوم، لتحتل بذلك السعودية الصدارة عالميًا في إنتاج الهيدروجين النظيف، من مشاريع الرياح والطاقة الشمسية، حيث وصفها جيم روبينز” من مركز أبحاث الطاقة المتجددة بجامعة ييل الأميركية، بأنها “الثروة الكبيرة الجديدة”، ويكفي أن ندرك أن الطاقة النظيفة هي ما جعلت “إيلون ماسك” أثرى أثرياء العالم.
وتعد مدينة نيوم، إحدى أهم ركائز اقتصاد الطاقة السعودي، وستكون قادرة على إنتاج الطاقة الكهربائية في للمملكة بمقدار 120 جيجاواط من الطاقة بحلول 2030، وسيأتي 30 جيجاواط منها من مشروعات الطاقة الشمسية والرياح، بجانب محطة سكاكا للطاقة الشمسية اللتان ستوفران 50 % من إنتاج الكهرباء محليًا بعد 10 سنوات من اليوم إن شاء الله، إضافة إلى مشاريع التقنيات الهيدروكربونية النظيفة التي ستمحو أكثر من 130 مليون طن من الانبعاثات الكربونية.
أخيرًا.. لا يمكن في مقال واحد استدراك جميع المشروعات والمبادرات التي قامت بها المملكة في هذا الجانب، إلا أن قمة العشرين استدركت مجمل التحديات البيئية العالمية، من ضمنها حماية البيئة البحرية، وإطلاق منصة لتسريع الأبحاث للمحافظة على الشعاب المرجانية، حيث تعد منطقة شمال البحر الأحمر ملاذاً عالمياً للشعاب المرجانية.. دمتم بخير.