أؤمن تمام الإيمان، بأن ملالي إيران يسعون منذ عقود طويلة إلى المتاجرة بالقضية الفلسطينية؛ لتجذير مواقفهم السياسية، وتمرير مشروعاتهم التخريبية لصالح حساباتهم المتطرفة، ومن يتابع تصريحات المسؤولين الإيرانيين ومرشدهم علي خامئني سيدرك ذلك تمامًا..
يومًا بعد آخر، تتوسع دائرة الفِراق والشقاق، بين جماعة الحوثي، والانتماء اليمني والعربي والإسلامي، وانكشاف هذه الميليشيا الإيرانية الانقلابية، أمام الحاضنة الشعبية من المحيط إلى الخليج، وكان آخر تلك المحاولات البائسة، دعوة زعيم الجماعة الانقلابية عبدالملك الحوثي، عن مبادرة لجمع التبرعات في المناطق الخاضعة لسيطرتهم؛ بحجة مزعومة مكذوبة متمثلة في دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته، والتصدي للهجمات البربرية الصادرة من الكيان الصهيوني.
من المؤكد أن الخديعة الحوثية لم تنطلِ على مجاميع الشباب العربي والفلسطيني في المنصات الاجتماعية، الذين لقنوا هذه الجماعة الإيرانية ذات الرد اليمني المُزيف درسًا لن ينسوه مفاده “ليس لكم أيها الحوثيون أي مكان في القضية الفلسطينية”، ومن يتابع التعليقات يزداد إعجابًا بمستوى الحصانة والوعي السياسي، تجاه كل من ارتبط بالمحور الإيراني وفشله في اختراق المنظومة القيمية العربية والأخلاقية، ومن ضمن ما يمكن الاستشهاد به النصوص التالية “بدناش مصاريكم.. فقط أوقفوا صواريخكم على بلاد الحرمين”، “بدل توجيه صواريخكم للسعودية وجهوها صوب إسرائيل”، “شكرًا لا تتبرعوا لفلسطين ولكن لا تجوعوا الشعب اليمني”، “الحوثي بحجة فلسطين يريد نهب الشعب اليمني وتقديم الأموال لإيران”.
التعليقات السابقة هي نموذج يسير جدًا على الدعوة الحوثية المزعومة، وإذا ما أردنا وضعها في إطارها السياسي الحقيقي فنستطيع الجزم – كما يقول إخوتنا اليمنيون- بأن الميليشيا الإيرانية الانقلابية تستغل القضية الفلسطينية، وأن جمعها للمبالغ الهائلة ليس لدعم المقاومة الفلسطينية، بل لتعزيز ميليشياتها المهزومة على تخوم تعز ومأرب من أجل قتل اليمنيين، وقد ترجمت ذلك من خلال هجومها وقصفها بالقذائف والصواريخ على المحافظتين اليمنيتين واستهداف المصلين أثناء خروجهم من المساجد بعد صلاة عيد الفطر المبارك، لذلك تجتهد إعلاميًا وسياسيًا على إقناع الناس بدعمها لفلسطين، وهي أبعد ما تكون عن عدالة ومركزية هذه القضية.
علينا اليوم أن نحفز العقلية الحوثية على الاستذكار التاريخي، طالما أنهم يدعون برمزية القضية الفلسطينية، وسؤالهم بشكل مباشر عن سبب نهبهم لمقر مؤسسة القدس الدولية في صنعاء إبان انقلابهم المشؤوم على الشرعية اليمينة في 2014، وهي المؤسسة التي كانت تدعم المقاومة الفلسطينية (استفهام بريء).
يعلم غالبيتنا -كما يعلم غيرنا- بأن الحوثي ما هو إلا أداة إيرانية بحتة، ومن يحكم قرارته الاستراتيجية والمفصلية السفير الإيراني في صنعاء المحتلة، رجل الحرس الثوري حسن إيرلو، الذي ادعى زورًا وبهتانًا عبر حسابه في تويتر بأن “فلسطين هي القضية المركزية لجمهورية إيران”.
من يتابع الأبعاد الإيرانية في هذه القضية تحديدًا، عليه أن ينصت فكريًا لما أشار إليه المعهد الدولي للدراسات الإيرانية الذي يرأسه الزميل محمد بن صقر السلمي، حول حقيقة العلاقة بين “إيران” و”الكيان المحتل”، التي لم تنقطع بين الطرفين بعد ثورة 1979، وصفقات الأسلحة خلال الحرب العراقية الإيرانية خير شاهد على ذلك، ويكمن الفرق بين الدولة البهلوية والدولة الخمينية الحالية، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، في تغير الأدوات والأساليب مع بقاء الأهداف والتوجهات، وتحولت هذه العلاقة من العلانية إلى الخفاء، ولن يتردد صانعو القرار من ملالي الفرس في التخلي عن “الموت لإسرائيل” كما تخلوا سابقًا عن شعار “الشيطان الأميركي الأكبر” متى ما خدم ذلك مصالحها السياسية، ودونكم الحقيقة التاريخية الخالدة، فعندما قرر الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- وقف تصدير النفط إلى الغرب بسبب القضية الفلسطينية، رفض شاه إيران الانضمام إلى هذا القرار، مؤكدا أن بلاده لن تستخدم سلاح الطاقة كردة فعل لمواقف سياسية بحتة.
أؤمن تمام الإيمان، بأن ملالي إيران يسعون منذ عقود طويلة إلى المتاجرة بالقضية الفلسطينية؛ لتجذير مواقفهم السياسية، وتمرير مشروعاتهم التخريبية لصالح حساباتهم المتطرفة، ومن يتابع تصريحات المسؤولين الإيرانيين ومرشدهم علي خامئني سيدرك ذلك تمامًا.
أخيرًا، من الواجب علينا استحضار التاريخ، فقبل وجود دولة الخمينيين، سجل الشاعر الصقري العتيبي -رحمه الله- شيئا من جهاد السعودية والسعوديين في فلسطين، التي خاضت عدة حروب آخرها حرب العاشر من رمضان 1393 هجري التي انتصر فيها العرب، واستردوا سيناء، وبعد استشهاد الملك فيصل، وأنور السادات، ووضع الخميني في إيران عمدا، انشغل العرب به حتى هذه اللحظة، وكان مما قاله الشاعر:
جيش الفداء من مصر سجل معزه
ومسانده با الفعل جيش السعودي
لولا الوسيط ومجلس الأمن دزه
والله فلا يمشي بحيفاء يهودي