في تصوري أن حديث الأمير بندر من حيث التوقيت يمثل أهمية كبرى في ظل تعقيدات المشهدين الإقليمي والدولي من القضية الفلسطينية، وعدم وجود رؤية موحدة من القادة الفلسطينيين، ناهيك عن ارتفاع مستوى اهتمام بعض الدول بهذه القضية الفلسطينية لتحقيق مآرب سياسية..
لا يمكن أن يتجادل اثنان في أن الآراء التي يبديها الأمير “بندر بن سلطان” لها كاريزما سياسية عابرة للحدود، ويعود ذلك إلى دلالات محورية كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر، اتصاله المباشر إلى ما قبل خمس سنوات بمنظومة “صناعة القرار السياسي السعودي”، وتكليفه إدارة العديد من الملفات الحساسة والمُعقدة منها ما هو معلن وغير معلن، تنبع أهمية الرجل من كونه سفيرًا سابقًا للمملكة لدى الولايات المتحدة الأميركية لأكثر من عقدين (1983 – 2005)، وشغله منصب الأمين العام لمجلس الأمن القومي (2005 – 2015)، بالإضافة إلى كونه الرئيس الثامن لرئاسة الاستخبارات السعودية منذ يوليو 2012 وحتى أبريل 2014.
المقدمة التمهيدية السابقة حتى نفهم باختصار طبيعة الوثائقي التلفزيوني الذي أجرته مؤخرًا قناة العربية مع “بندر بن سلطان” في ثلاثة أجزاء، والذي تمحور ببساطة شديدة حول ما قامت به المملكة العربية السعودية من مواقف سياسية ودبلوماسية وعسكرية، لمساعدة القضية الفلسطينية منذ عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وما عاصره خلال عمله الدبلوماسي والسياسي، الذي لا يخفى على أحد، وحتى نعرف أهمية ما قاله الرجل دونكم التعليقات والبرامج والمقالات التي تناولت ما تفوه به على المستويين الإقليمي والدولي.
في تصوري أن حديث الأمير بندر من حيث التوقيت يمثل أهمية كبرى في ظل تعقيدات المشهدين الإقليمي والدولي من القضية الفلسطينية، وعدم وجود رؤية موحدة من القادة الفلسطينيين، ناهيك عن ارتفاع مستوى اهتمام بعض الدول بهذه القضية الفلسطينية لتحقيق مآرب سياسية لا تخدم مصالح الأمن القومي العربي على أقل تقدير.
وبعيدًا عن سياقات الهجوم الإعلامي المحموم والمدعوم شرقًا وغربًا على الحيثيات الواردة في الوثائقي التلفزيوني، فآراء عميد السلك الدبلوماسي الأسبق في واشنطن، حملت محورين رئيسيين لا يجب التغافل عنهما: الأول، أن خطابه كان موجهًا بالدرجة الأولى إلى الرأي العام الداخلي، لتنمية وعيه نحو جهود قيادته السياسية وتبيان خطها الواضح الذي لا لبس فيه ولا مواربة من عدالة القضية الفلسطينية، وهو يقع ضمن دائرة الضمير السياسي السعودي، وعدم سماحه بـ”تمرير حل تصفوي للقضية الفلسطينية”، وهي إشارة واضحة إلى عدم تغير سياستها تجاهها.
في مقالي السابق المنشور أواخر أغسطس الماضي تحت عنوان “السعودية لن تطعن القضية الفلسطينية في ظهرها”، ذكرت ما نصه: “أن أولى قواعد القرار السياسي السعودي لتحقيق مسار التطبيع يتمثل في قيام دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية، بناًء على مبادرة السلام العربية التي طرحها الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز – رحمه الله – في القمة العربية ببيروت 2002، لذلك يعي القادة الإسرائيليون أن مسار التطبيع الشامل معهم لن يكون إلا مقابل انسحابها من كافة الأراضي الفلسطينية التي تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية التي احتلتها في حرب 1967، وإقامة دولة فلسطينية على هذه الأراضي”.
المحور الثاني في وثائقي قناة العربية، تفكيك الدعاية السوداء التي تقودها بعض الأطراف الإقليمية والدولية تجاه “شيطنة السعودية”، ومحاولاتها المستميتة لتثبيت ذلك من خلال شن “الحروب الإعلامية والسياسية” الشرسة، وهو ما نجح فيه الدبلوماسي المحنك في تفكيكه بالوقائع التاريخية المُثبتة للجميع، خاصة أنه كان قريبًا جدًا من أغلب تلك الأحداث، وضمن دائرتها التنفيذية.
ما يعطي الوثائقي أبعادًا مهمة من جانب “الإعلام السياسي الدولي”، أن حديث بندر بن سلطان جاء بقناعة شخصية، ومن خارج “السرداق الحكومي”، إلا أنه في الوقت نفسه يُعبر عن الحضور السعودي في المشهد الفلسطيني الثابت غير المُتغير، وأحد أهم أولويات سياستها الخارجية، المبني وفق إيمان وقناعة حقیقيين، مفادها أن فلسطين هي “قضیة العرب والمسلمین الأولى”، وستستمر في دعمها حتى استعادة كامل الحقوق غير المنقوصة.
تابعت بعناية التداعيات الإعلامية والسياسية العابرة للحدود المُعلقة على حديث الرجل، وأتعجب كثيرًا من محاولات “الشيطنة” التي أفرزتها المقالات والتقارير الصحافية وفيديوهات اليوتيوب.
يفتح هذا الاستهداف باب التساؤل حول هذه الأصوات، هل هي نتيجة تزييف جماعات ضغط أو أنها “مأجورة بامتياز”؟ من قبل دول وأصوات موهومة بالمعارضة الزائفة انصبت جميعها – مع الأسف الشديد – على محاولة تشويه الخط السياسي السعودي من قضية العرب المفصلية، ومحاولة الإيقاع بين القيادة والشعب.. لذلك أقول لهم: “ستفشلون كما فشل غيركم”..
شكرًا بندر بن سلطان، لقد أوضحت الحقائق وأديت الأمانة السياسية.