للتقديرات والمسوحات الجيولوجية فإن بحر الصين الجنوبي يحتوي على 7,17 مليارات طن من النفط الخام، ومصادر أخرى من الاحتياطات المؤكدة فيه قد تصل إلى 5,7 مليارات برميل فضلًا عن الغاز الطبيعي، واستنادًا لهذه التقديرات فإنه من الصعب على الدول المتنازعة التنازل عن هذه الثروات الهائلة، وهي تمثل بالإضافة إلى ذلك عُمقًا إستراتيجيًا لبعض الدول
جميع الدراسات الجيوبوليتيكية المُتعمِّقة، تُشير إلى أن أخطر بقعة على وجه الأرض، والقنبلة الموقوتة القابلة للانفجار في أي لحظة، هي “بحر الصين الجنوبي”، وربما أذهب في الفرضيات إلى أبعد من ذلك، وأنها ستكون الشرارة الأولى في حال نشوب حرب عالمية ثالثة – لا قدر الله – بين الولايات المتحدة الأميركية والصين.
ولمن لا يعلمون ماهية الخلاف الأساسي على “بحر الصين الجنوبي”، فهي منطقة بحرية تتنازع السيادة عليها الدول المطلة على مناطق منه منذ عدة قرون، وعلى وجه التحديد “الصين، وفيتنام، والفلبين، وتايوان، وماليزيا، وبروناي”، وتشهد على الدوام توترًا تصاعديًا مستمرًا، وهي إحدى ساحات الصراع الأميركي – الصيني، اللذَين يتبادلان الاتهامات، خاصة أن بكين تتعمد “عسكرتها”.
الخلافات هي أساسًا حول السيادة على مياه البحر وجزر باراسيل وسبراتلي، وهما سلسلتان من الجزر تدعي عدد من الدول السيادة عليها، إضافة إلى الصخور والشعاب المرجانية والكثبان الرملية التي تتنازع هذه الدول السيادة عليها، مثل شعب سكاربره، ويعد بحر الصين الجنوبي طريقًا ملاحيًا مهمًا، يزخر بثروة سمكية هائلة تقتات عليها شعوب الدول المشاطئة.
الادعاءات السيادية الصينية هي الأكبر من بين الدول المطلة عليه؛ إذ تدعي سيادتها على منطقة تطلق عليها اسم “خط الخطوط التسعة” الممتد لمئات الأميال جنوبي وشرقي جزيرة هاينان الواقعة أقصى جنوب الصين، وتقول بكين إن حقوقها في هذه المناطق تعود إلى عدة قرون خلت عندما كانت سلسلتا باراسيل وسبراتلي جزءًا من الأمة الصينية، ونشرت الصين في 1947 خريطة تفصيلية لادعاءاتها تبين أن السلسلتين تقعان ضمن حدودها بالكامل.
هناك ورقة بحثية مُصغَّرة وقعت بين يدي مسؤول ملف الصين في وزارة الخارجية العراقية الدكتور باهر مردان، بعنوان “بحر الصين الجنوبي والشرقي”، وأهم ما ورد فيها: أنه طبقًا لقانون البحار الصادر في (1982)، فإن كل الدول المطلة لها أحقية ممارسة حقوقها ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة بمسافة تصل إلى مسافة 200 ميل بحري، وبما أن الجزر المتنازع عليها تقع بهذه المناطق، فإن لكل منهم أحقية السيادة على هذه الجزر، إلا أن توسطها هو ما يُعقد المشهد، ويزيد من حدة النزاعات بسبب أهمية الجزر الإستراتيجية؛ إذ تمثل ممرًا للملاحة العالمية والتنافس الدولي بين بكين وواشنطن، خاصة بعد الإستراتيجية الأميركية التي تؤكد رغبتها في تعزيز نفوذها بمنطقة جنوب شرقي آسيا بوصفها أهم مناطق العالم.
وطبقًا للتقديرات والمسوحات الجيولوجية فإن بحر الصين الجنوبي يحتوي على 7,17 مليارات طن من النفط الخام، ومصادر أخرى من الاحتياطات المؤكدة فيه قد تصل إلى 5,7 مليارات برميل فضلًا عن الغاز الطبيعي، واستنادًا لهذه التقديرات فإنه من الصعب على الدول المتنازعة التنازل عن هذه الثروات الهائلة، وهي تمثل بالإضافة إلى ذلك عُمقًا إستراتيجيًا لبعض الدول وصمام أمان للأمن القومي الصيني، على اعتبار أن إمدادات طاقتها تمر من هنا، لذلك لن تتنازل بكين بسهولة عما استحوذت عليه بالقوة خشية تعرض أمنها القومي للخطر.
لكن السؤال المهم: ماذا عن الصراع الأمريكي – الصيني في هذه المنطقة، خاصة أن بعض الدول المتنازعة، هي حليف في المعاهدة الأميركية للدفاع المشترك؟ وللإجابة على هذا التساؤل، أعود إلى دراسة نشرها مركز راند – وهو جزء من مؤسسة راند – في 2017 بعنوان: “إعادة النظر في الصراع مع الصين.. الاحتمالات والنتائج والإستراتيجيات”، والمنظور التحليلي الوارد فيها كان برعاية من جيش الولايات المتحدة الأميركية، وأُجري ضمن برنامج الإستراتيجية والعقيدة والموارد، وقدم المركز خريطة تفصيلية لأدوات الردع التسليحي بين القوتين العسكريتين، وتوصل إلى أن الصين أظهرت تحسنًا في قوتها العسكرية في “بحر الصين الجنوبي”، واستثمرت بشدة في غواصتها التي تُعد تهديدًا حقيقيًا للحاملات الأميركية والسفن السطحية، بالإضافة إلى ذلك فقد بنت أكبر قوة خفر سواحل على مستوى المنطقة، بعد أن دمجت خمس وكالات منفصلة لإنفاذ القانون البحري في قوة واحدة ضخمة، تصرفت بعدوانية لمواجهة منتهكي ما تدعي أنه مياهها الإقليمية، وإبعادهم عن مناطقها الاقتصادية الحصرية، كما أن هذه القوة مدعومة بأكبر السفن ذات الهياكل البيضاء في العالم وأكثرها إشعارًا بالتهديد، والتي كان بعضها فرقاطات بحرية تابعة لجيش التحرير الشعبي في العام 2013.
إلا أن الدراسة الأميركية التحليلية تذهب أيضًا – وهو المهم – أنه في حال تم إغلاق بحر الصين الجنوبي أمام الملاحة التجارية، فإنه تأثيره على الصين سيكون أكبر؛ لأن حلفاء الولايات المتحدة يملكون خطوطًا بحرية بديلة للتواصل خروجًا نحو المحيط الهادئ.. لذلك ضعوا أعينكم على هذه المنطقة خلال الفترة المقبلة فهي بحق أخطر بقعة على وجه الأرض.