إنّ “نكبة بيروت” الكبيرة تتمثل اليوم في “حزب الله” الذي بات يتحكم في مفاصل الدولة اللبنانية، وسيطرته التامة على المنافذ الحدودية، والجوية، والبحرية، لتمرير أهدافه الضيقة، وعملياته التخريبية المشبوهة..
بداية.. نُقدم تعازينا إلى جميع مكونات الشعب اللبناني الشقيق، على الضحايا الذين سقطوا إثر الانفجار المُروع لـ “مرفأ بيروت”، بفعل 2750 طنًا من “نترات الأمونيا”، والتي كانت مُخزنة بطريقة غير آمنة، في أحد المستودعات لنحو ستة أعوام تقريبًا، مدمرًا بذلك منطقة “رصيف الميناء”، ومخلفًا حفرة يقدر عرضها بنحو 140 مترًا، وقد سمع دويه في جزيرة قبرص الواقعة على بُعد 200 كيلو متر في البحر الأبيض المتوسط، وتعادل قوته 3.3 درجات على مقياس ريختر للزلازل، ولولا لطف الله أن نصف ضغط الانفجار ذهب للبحر، وإلا لمُحيت بيروت تمامًا.
ومن المنظور الجيوسياسي، أعتقد أن المحور المهم والكبير الذي تطرحه اليوم وبشدة كافة أوساط المكونات اللبنانية السياسية والمدنية والشعبية، بعد “انفجار المرفأ”، هو التأكيد على سقوط مفهوم وفكر “الدولة السيادية”، لصالح فكر ميليشاوي طائفي لا يتحرك وفق “المسارات الوطنية”، و”ضرورات الأمن القومي اللبناني والعربي”، بل إن أفعاله العسكرية والسياسية تدور رحاها بما يمليه عليه “نظام ولاية الفقيه الإيراني”، ومرشدها علي الخامئني، محولًا جوهرة الشرق إلى “دولة فاشلة” بكل ما تحمله الكلمة، وصانعًا دولة فوق الدولة تتحكم بمصير ومستقبل اللبنانيين.
التحليل الجازم الذي دونته على حسابي الشخصي في “تويتر” بعد “انفجار المرفأ”، بأن “نكبة بيروت” الكبيرة تتمثل اليوم في “حزب الله” الذي بات يتحكم في مفاصل الدولة اللبنانية، وسيطرته التامة على المنافذ الحدودية، والجوية، والبحرية، لتمرير أهدافه الضيقة، وعملياته التخريبية المشبوهة، فقراراته ليست مرتهنة “لقصر بعبدا الرئاسي”، بل خاضعة إلى ما يمليه عليها السفير الإيراني “الحاكم الفعلي بأمر الخامئني” في بيروت، وهو ما جر لبنان إلى الدمار!.
ما حدث في “انفجار المرفأ” هو اختراق أمني بكافة المقاييس، وسأفترض أن هناك صاروخاً ذكياً موجهًا أطلق على المستودعات، لذا من زرع الشريحة أو القنبلة ذات التحكم عن بعد في الميناء؟، وهو ما يعطينا مفهومًا واضح المعالم، بأن حزب الله مخترق بالطول والعرض حتى النخاع من قبل الإسرائيليين، وما التفجيرات الدقيقة الأخيرة في إيران إلا دليل على ذلك!.. وهو من الزوايا المهمة التي يحاول الحزب إخفائها باستماته عبر منظوماته الإعلامية المختلفة، وصناعة “هالة” حول تماسك جداره الأمني من أي اختراقات يقوم بها الموساد الإسرائيلي، لإقناع حاضنته الشعبية في الضاحية بقدرة أجهزته الأمنية على مقاومة شبكات التجسس الإسرائيلية من اختراق بنيته الداخلية، إلا أن هذا الأمر غير حقيقي على الإطلاق.
“الاختراق الاستخباراتي الدولي لحزب الله.. أكبر مما يظن الجميع”، مثله مثل المظلة الأمنية الإيرانية الهشة، فخلال الشهر الماضي فقط، ضُربت 16 موقعًا إيرانيًا حساسًا، وما يدعم هذا المسار، مقتل وهلاك قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، في يناير الماضي، بفعل صواريخ أطلقتها طائرة أميركية مسيرة (درون)، لدى مغادرته مطار بغداد في موكب من سيارتين مدرعتين، ونجحت عملية اصطياده بعد اختراق استخباراتي أميركي ناجح للمنظومة الأمنية الإيرانية.
الملفت أنه في 23 يوليو 2019، نشر أفيخاي أدرعي، المتحدث بلسان جيش الدفاع الصهيوني للإعلام العربي، على حسابه في تويتر، خريطة حدد فيها بوضوح 4 أهداف عسكرية محتملة، تستخدم لنقل الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله، ومن ذلك “مطار دمشق الدولي”، و”مطار رفيق الحريري الدولي”، ومعبر “المصنع الحدودي”، و”مرفأ بيروت”، الذي كان تحت أنظار الإسرائيليين، كونه يستخدم كمحور نقل بحري للأسلحة، مع الإشارة (منشن) في تغريدته المثيرة للجدل والتي عادت للسطح مجددًا إلى جبران باسيل، وزير خارجية لبنان الأسبق. عضو مجلس النواب اللبناني. رئيس التيار الوطني الحر، وسعد الحريري، ووزير الاشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس.
سيحاول “حزب الله” الإفلات من جريمته في “مرفأ بيروت” بالمناورة السياسية والأمنية، إلا أن ما حصل سيكون له ارتدادات ليس على فقط على مستوى الداخل اللبناني، بل على المنطقة ككل ومواجهته للتمدد الإيراني، وميليشياته المرتهنة بأمر ولاية نظام الفقيه.
وما يحدث في لبنان يمكن حدوثه في اليمن السعيد، خاصة بعد كشف مدير عام مشروع “مسام” لتطهير الأراضي اليمنية من الألغام، من تطابق المواد المضبوطة لدى ميليشيا الحوثي من مادة “نترات الأمونيا” مع المادة المتسببة في انفجار بيروت، فالميليشيات المرتبطة بالنظام الإيراني في المنطقة تعمل ضمن مشروع وعقيدة قتالية وتكتيك وأسلوب عسكري واحد بإشراف مباشر من الحرس الثوري الإيراني.. لذلك لا يجلبون لدولهم سوى الدمار.