رغم التوضيحات السعودية بهذا الشأن القائم أولًا وأخيرًا على حفظ النفس البشرية من الهلاك بهذا البلاء، إلا أن لغة المزايدات السياسية، كانت حاضرة في هذا الموقف من دول وكيانات لا تُكِّن الصداقة أو المحبة لبلاد الحرمين الشريفين، لا من قريب ولا من بعيد..
كان البيان الذي أصدرته وزارة الحج والعمرة السعودية في الثاني والعشرين من يونيو الماضي، واضح المعالم والتفسيرات، ولا يقبل القسمة على اثنين، وذلك بعد إقرارها إقامة حج بيت الله الحرام لموسم عام 1441هـ، بأعداد محدودة جدًا للراغبين في أداء المناسك من مختلف الجنسيات من الموجودين داخل المملكة؛ حرصًا منها على تنفيذ الشعيرة بشكل آمن صحيًا وفق متطلبات الوقاية والتباعد الاجتماعي اللازم لضمان سلامة الإنسان وحمايته من مهددات جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19)، وتحقيقًا لمقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ النفس البشرية من الإصابة بالأذى.
وبشفافية مطلقة طرحت الوزارة مبرراتها الصحية من إقامة الشعائر بأعداد محدودة، وقد أيدتها في ذلك منظمة الصحة العالمية (WHO)، وتخوفها من خطورة تفشي العدوى في التجمعات البشرية التي يصعب توفير التباعد الآمن بين أفرادها.
ورغم التوضيحات السعودية بهذا الشأن القائم أولًا وأخيرًا على حفظ النفس البشرية من الهلاك بهذا البلاء، إلا أن لغة المزايدات السياسية، كانت حاضرة في هذا الموقف من دول وكيانات لا تُكِّن الصداقة أو المحبة لبلاد الحرمين الشريفين، لا من قريب ولا من بعيد.
أثناء متابعتي الدقيقة للمواقف المختلفة، بشأن آراء المناهضين –إن صحت العبارة- في طريقة تعامل الحكومة السعودية مع «الحج الاستثنائي»، أستطيع التأكيد وبما لا يدُع مجالًا للشك، أننا أمام تفسيرات يمكن وصفها بـ «المزاجية السياسية» أو «الخطاب الشعبوي» غير الأخلاقي، الذي ليس فيه ذرة واحدة من تحقيق المقاصد الشرعية العُليا في حفظ النفس، والتي وضعت صحته من أهم الأولويات الشرعية، لذلك لا أستغرب هذا العويل والضجيج والبكائيات الخادعة عن الحج في حسابات تويتر من بعض الفرق المتأسلمة أو الشرعيين من الإخوان المتأسلمين، وكيفية ليهم لعنق النصوص الشرعية بما يوافق أجنداتهم وأهواءهم ومصالحهم الضيقة.
باختصار شديد ودون أدنى مواربة، فإن رافعي شعار «الفتن» في موضوع الحج، يريدون تحقيق إحدى «ثنائية الشرين» من خلف جداريات جدالاتهم الفكرية والسياسية، والشرعية الحزبية ضيقة الأفق، لذلك لا تحاولوا إقناعهم، أو الدخول معهم في نقاشات عقيمة لا تُبقي ولا تذر.. لماذا؟ لأنهم لن يرضوا أبدًا عن رؤية السعودية في «الحج الاستثنائي»، فنحن إن أقمنا الشعيرة وفق تصوراتهم المليونية المعتادة، وحدثت «الكارثة الصحية» المتوقعة حسب تحذيرات خبراء الصحة، حينها ستنطلق ألسنتهم وستنتفخ أودجاهم، باتهام بلادنا بالتقصير في حماية الحجيج، وأنها قدمت مصالحها الاقتصادية على مقاصد الشريعة، ناهيك عن التُهم الجاهزة كـ «المتاجرة بصحة الحجيج».
وإن لم نُقم الشعيرة وفق تصوراتهم، سيتهموننا بتعطيل الركن الخامس من أركان الإسلام «ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلًا»، لذلك قلت إن «التُهم» مُعلبة وجاهزة للنشر، مع علمهم في قرارة أنفسهم أن حج هذا العام هو حدث تاريخي بامتياز، تمكنت المملكة من باب مسؤوليتها في إقامته رغم جائحة كورونا بوجود حجاج من مختلف الجنسيات (70 % مقيمين و30 % مواطنين)، وأعلنت أنها ستقوم بتطبيق أعلى المعايير الصحية والأمنية، والإجراءات الوقائية الاحترازية، لضمان سلامة العاملين وضيوف الرحمن، فلماذا لا يتحدثون عن ذلك؟.. قاتل الله الهوى والتبعية العمياء، التي سلبت العقول قبل القلوب.
لقد درست السعودية، قرارها لحج هذا الموسم بعناية شديدة، وكانت رؤيتها حكيمة، قائمة على إقامة النسك دون إلحاق الضرر بأرواح الحجاج، ودون أن تكون الشعيرة العظيمة سبباً في زيادة انتشار هذا الوباء الخطير، خاصة أن الشريعة تحث على تحقيق وتحصيل المصالح ودرء المفاسد، ووفق القاعدة السليمة «ما لا يدرك كله، لا يترك جُلّه»، ونظيرها في كتاب الله «فاتقوا الله ما استطعتم».
لكن ما يبعث على الدهشة، أن سهام المناهضين وانتقادهم لم توجه سوى للحكومة السعودية، مع العلم أن بعض حكومات البلدان الإسلامية استبقت قرار المملكة الأخير بإعلانها عدم إيفاد حجيجهم للمشاعر المقدسة، بسبب تداعيات الأزمة الصحية الوبائية، كإندونيسيا وتركيا وغيرها، ورغم ذلك لم يتهمها أحد من المتأسلمين بتعطيل الحج.. يعني ذلك أننا أمام حرب شعواء مع فئة لا ترقب في مؤمن إلًّا ولا ذمة، وما «الحج الاستثنائي» إلا فرصة ونافذة لهم للنيل من المملكة وقيادتها، لاختلافهم السياسي معها لا أكثر، إلا أن خططهم باءت بالفشل وما التأييد العربي والإسلامي أولًا ثم الدولي لبلاد الحرمين سوى دليل على تقديرها الصحيح.. رفع الله عنا سيئ الأسقام، وسقيم الآراء، وعبيط الأفكار.