اليوم يُعد اتفاق الرياض الضمانة الوحيدة للحفاظ على الوحدة الوطنية لمختلف أطياف الشعب اليمني وحقن دمائه الزكية، وتكريس أمنه واستقراره، ورفض الأجندة الإيرانية الطائفية التي تمثلها الميليشيا الحوثية الانقلابية ومكافحة الإرهاب، من خلال إعادة تنظيم القوات الخاصة بمكافحة الإرهاب وتدريبها..
تعي العقلية الإستراتيجية السعودية بشكل عميق، بأن تماسك البُنية اليمنية بشطريها الجنوبي والشمالي، هو السلاح الأكثر فاعلية في مشوار القضاء على الحلم المزعوم لميليشيات الانقلاب الحوثي المدعوم من قبل جمهورية ملالي الشر الإيرانية، لذلك سعت – وما زالت – الدوائر السعودية المعنية بإدارة الملف اليمني بكل جدية عند اندلاع التوترات السياسية أو العسكرية بين الفرقاء إلى التدخل الفوري لتهدئة الأوضاع؛ ولعدم انجراف المكونات الوطنية نحو الهاوية، من خلال تقديم الرؤى التنفيذية الإطارية الداعمة لاستدامة السلام بين كافة المكونات الداخلية، دون الانحياز إلى طرف على حساب آخر، فهمها الأكبر هو تحقيق الأمن والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وتغليب المصلحة العليا للشعب اليمني الشقيق أولًا وأخيرًا.
اليوم يواجه التاريخ السياسي اليمني الحديث أحد أهم ملفات التجاذب والصراع الحاصل في شطره الجنوبي بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، وفي أطوار ذلك بذلت الحكومة السعودية جهدًا كبيرًا وعملية وساطة ممنهجة من 20 أغسطس وحتى 24 أكتوبر 2019، وانتهت بتوقيع طرفي الصراع في الخامس من نوفمبر الماضي على وثيقة “اتفاق الرياض” القائمة على بنود إطارية وطنية تعيد الترتيبات السياسية والاقتصادية والعسكرية الأمنية.
ربما السؤال المشروع طرحه على المشهد المحلي اليمني والإقليمي والدولي: لماذا تعاظمت المشكلة في الجنوب اليمني بين الشرعية والمجلس الانتقالي رغم وجود اتفاقية متكاملة تحفظ حقوق جميع المكونات؟.
الإجابة الوحيدة على السؤال السابق وببساطة، يتمثل في تأخر الأطراف الموقعة على اتفاق الرياض في تنفيذ ما ورد فيها، وهو ما أدخل الطرفين في أتون الصراعات المسلحة (وما أحداث أرخبيل سقطرى منا ببعيد) الأمر الذي فاقم من الظروف الصعبة التي يعانيها الأشقاء اليمنيون نتيجة الكوارث الطبيعية، وانتشار جائحة كورونا الجديد (COVID-19) وغيرها من الأوبئة الأخرى، بسبب تردي العوامل الصحية والبيئية، خاصة في العاصمة المؤقتة (عدن).
وفي خضم هذه الأزمة المتصاعدة بثت وكالة رويترز للأنباء تقريرًا سياسيًا مهمًا يضع النقاط على الحروف، ويجيب بشكل غير مباشر على إشكالية تأخر تنفيذ اتفاق الرياض، والتي أرجعها إلى تعنت طرفي الصراع في المسألة، فالحكومة الشرعية تصر أولاً على تنفيذ الشق العسكري، فيما المجلس الانتقالي الجنوبي يصر على تنفيذ الشق السياسي أولاً، في ظل تجاهل الجميع لبنود الاتفاق الذي اتفقوا على التوقيع عليه.
وحتى تكون الصورة السياسية واضحة، ليس أمام الأطراف اليمنية إلا تنفيذ مخرجات اتفاق الرياض، والالتزام بالمحددات الإجرائية الزمنية الواردة فيه؛ إذا ما أرادوا استدامة السلام للسعيدة.
اليوم يُعد اتفاق الرياض الضمانة الوحيدة للحفاظ على الوحدة الوطنية لمختلف أطياف الشعب اليمني وحقن دمائه الزكية، وتكريس أمنه واستقراره، ورفض الأجندة الإيرانية الطائفية التي تمثلها الميليشيا الحوثية الانقلابية ومكافحة الإرهاب، من خلال إعادة تنظيم القوات الخاصة بمكافحة الإرهاب وتدريبها، كما ليس أمام الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي سوى تغليب لغة الحوار الوطني على محاولات الحسم العسكري، التي لا تخدم مصلحة الشعب، ولا تحقق أمل أبنائه الطامحين إلى استعادة الاستقرار، بعد سنوات من الصراعات والظروف المعيشية الصعبة.
ويمكنني القول، إن اتفاق الرياض لم يأتِ من فراغ سياسي، بل جاء ليؤكد على الالتزام بحقوق المواطنة الكاملة لجميع أبناء الشعب اليمني، ونبذ التمييز المناطقي والمذهبي والفرقة والانقسام، وإيقاف الحملات الإعلامية المسيئة بأنواعها كافة بين جميع الأطراف. وفي تصوري أن أهم البنود المحورية التي تضمنها الاتفاق تركيزه على الاستقرار الاقتصادي من خلال الإجراءات المشددة على إدارة الموارد المالية للدولة اليمنية، ورفع كفاءة الانفاق، وتفعيل دور البرلمان في التقويم والرقابة.
ومن أهم الأهداف الجيوسياسية التي يحملها الاتفاق إخراج اليمن من ضيق الأجندة السياسية الحزبية إلى فضاء وطني رحب يقوم على تشكيل حكومة “كفاءات سياسية” مناصفة بين المحافظات الجنوبية والشمالية لا يتعدى عدد أعضائها عن 24 وزيراً مشهوداً لهم بالكفاءة والنزاهة والخبرة، يعينها الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي مهمتها توحيد الصف وتفعيل مؤسسات الدولة لخدمة المواطن اليمني بجميع مكوناته.
في المحصلة النهائية جهدت السعودية في ظل الأزمة الحالية على إيجاد حقن دماء اليمنيين، والوصول لحل سلمي توافقي مبني على المرجعيات والمبادئ الرئيسية، مع احترام جميع مكونات الشعب اليمني، ليس ذاك فحسب بل واحترام ما يتفقون عليه في المستقبل.. “حفظ الله يمن الإيمان والحكمة”.