“موسم الرياض” هو مختبر حقيقي للقوة الناعمة السعودية؛ قوة لا تعتمد على اللغة الدبلوماسية أو النفوذ المالي، بل على القدرة على صناعة مشهد عالميّ ينبض بالثقة والفرح والإبداع، ومن خلال هذا المشروع، تتجسد الرؤية التي طالما تحدث عنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان: أن تكون المملكة مركزًا عالميًا للثقافة والاقتصاد والمعنى الإنساني الجديد..
في مشهدٍ يتجاوز حدود الفعاليات والعروض، يقدّم “موسم الرياض 2025” صورةً جديدةً لصناعة الترفيه في المملكة، بوصفها ركيزة من ركائز التحول الوطني، وأداةً لتشكيل القوة الناعمة السعودية في بعدها الثقافي والاقتصادي، فالموسم تجاوز فكرة الحدث الموسمي، إلى كونه مشروعًا وطنيًا يعكس ثقة بلدنا بنفسه وقدرتها على صياغة معايير جديدة للترفيه بمعناه الحضاري والإنساني، كما أرادها رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه المستشار تركي آل الشيخ، حين قال: “نجاح موسم الرياض هو نجاح المملكة بدعم قيادتها وشعبها، ونحن لا نحتاج إلى أحد، الناس تحتاجنا”.
هذا التصريح وحده يلخّص تحوّلًا جوهريًا في فلسفة صناعة الترفيه السعودية؛ إذ لم يعد الهدف استيراد التجربة، بل تصديرها، ولم يعد الترفيه مظاهر استهلاك أو استقطاب أسماء عالمية، بل أصبح اختبارًا لقدرة المملكة على إنتاج محتوى محلّي يعبّر عن هويتها الجديدة بثقة وانفتاح ومسؤولية في آنٍ واحد.
ما يحدث في موسم الرياض هو إعادة تعريف لمفهوم “الترفيه” في سياق رؤية السعودية 2030؛ فالموسم أصبح منصةً لتوسيع المشاركة الاقتصادية، وتفعيل الكفاءات الوطنية، وصناعة تجربة حضارية تمتزج فيها الثقافة والفن والاقتصاد، وخيار تركيز الموسم هذا العام على “المحتوى المحلي” ليس تنظيميًا، بل قرار استراتيجي يرتبط بمفهوم “التمكين الثقافي”، حيث يُمنح المبدع السعودي مساحة لتقديم نفسه للعالم من موقع المنتج لا المستهلك، والمنافس لا التابع.
ومن أبرز الدلالات في نسخة 2025 أن الترفيه السعودي يتجه نحو التنويع الذكي، فبينما تتجه بعض الفعاليات إلى العالمية، مثل بطولة التنس العالمية Six Kings Slam التي ستُبث عبر “نتفلكس”، نجد في المقابل عناية متزايدة بالمحتوى العربي، وخصوصًا الشامي، في خطوة تعبّر عن رؤية إنسانية منفتحة تستثمر في الجمال الثقافي العربي وتحتضن طاقاته، وهي رسالة حضارية مفادها أن المملكة لا تنعزل عن محيطها، بل تقوده برؤية متوازنة تدمج الأصالة بالمعاصرة.
ويبدو أن فلسفة آل الشيخ في إدارة الموسم تتجاوز التنظيم إلى بناء الوعي، فحين قال: “موسم الرياض يقدر من يقدّره، ويركّز على من يحرص عليه”، كان يعيد تعريف العلاقة بين الدولة والجمهور، بين الفعل الترفيهي والهوية الوطنية، فالموسم، في جوهره، هو مشروع اجتماعي يربط بين المواطن ومشروع بلاده، ويعيد صياغة التفاعل بين المجتمع والدولة من خلال الفخر والإنجاز، لا الشعارات.
في العمق، “موسم الرياض” هو مختبر حقيقي للقوة الناعمة السعودية؛ قوة لا تعتمد على اللغة الدبلوماسية أو النفوذ المالي، بل على القدرة على صناعة مشهد عالميّ ينبض بالثقة والفرح والإبداع، ومن خلال هذا المشروع، تتجسد الرؤية التي طالما تحدث عنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان: أن تكون المملكة مركزًا عالميًا للثقافة والاقتصاد والمعنى الإنساني الجديد.
في كل موسم، يثبت السعوديون أن الترفيه صناعة تُعبّر عن وعي جديد بالدور الحضاري للمملكة في القرن الحادي والعشرين. ومع إطلاق النسخة السادسة الجمعة الماضية، تبدو الرياض اليوم أقرب إلى “مدينة عالمية” تحتضن ثقافات العالم، وتعيد تقديم الثقافة السعودية للعالم، ليس بوصفها ثقافة تقليد، بل ثقافة قيادة.. دمتم بخير.
13
أكتوبر