لا يفترض أن تقرأ العلاقات مع الصين بأنها ضد أطراف محددة أو حلفاء آخرين، لكن المنظومة السعودية حاليًا ترى أن العلاقات في الوقت الحالي قائمة على أن الاقتصاد قبل السياسة، خاصة أن العالم اليوم يتجه لخلق شراكات جديدة،
يبدو للأطراف الدولية والإقليمية، عمق الدور السعودي في ترتيب الملفات وإعادة ضبط العلاقات المحورية على مستوى المنطقة مع القوى الكبرى والصاعدة، وهو ما تجلى في القمم الثلاث، التي استضافتها الرياض نهاية الأسبوع الماضي، “السعودية – الصينية” و”الخليجية – الصينية” و”العربية – الصينية”، التي أفرزت العديد من المسارات الاقتصادية والتجارية والجيو سياسية، وتبلورت منهجيتها في حرص القيادة السعودية السياسية على تنمية العلاقات الثنائية مع الجانب الصيني في سياق توجهها الاستراتيجي لتعزيز علاقاتها وشراكاتها الثنائية مع جميع الدول والقوى الدولية المؤثرة، وإقامة علاقات متوازنة معها تخدم أهداف القومية، وتسهم في حماية مصالحها.
ولا يفترض أن تقرأ العلاقات مع الصين بأنها ضد أطراف محددة أو حلفاء آخرين، لكن المنظومة السعودية حاليًا ترى أن العلاقات في الوقت الحالي قائمة على أن الاقتصاد قبل السياسة، خاصة أن العالم اليوم يتجه لخلق شراكات جديدة، واستشهد هنا بما ذكره رئيس الجمعية الصينية للدراسات الدولية فيكتور غاو في إحدى المقابلات التلفزيونية، مشيرًا إلى أن علاقة بكين بالرياض مهمة للغاية، ليس بسبب الإمدادات النفطية، بل لمكانتها وقيادتها للعالم العربي والإسلامي، فهي علاقة قائمة على الندية وليس التبعية، ولا يعني عقد السعودية للتحالفات الجديدة أنها ضد تحالفاتها القديمة (في إشارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية).
وبعيدًا عن المفارقات السابقة، علينا أن نفهم أن الحدث يؤكد اهتمام كل من الرياض وبكين، بتعزيز المواءمة بين مبادرة “الحزام والطريق” و”رؤية المملكة 2030″، وتطوير التعاون في مجالات الطاقة الهيدروجينية، الاقتصاد، والتجارة، والنقل، والبنية التحتية، وتقنية الجيل الخامس، والذكاء الاصطناعي، والبيانات الكبيرة، وهو ما أسفر عن توقيع أكثر من 20 اتفاقية أولية بقيمة تتجاوز 110 مليارات ريال، إضافة إلى توقيع وثيقة الشراكة الاستراتيجية بين المملكة والصين.
عندما ذكرت أن معادلة التعامل بين المملكة والصين قائمة على التنمية، فإن المعلومات الرسمية تشير إلى أن قيمة الاستثمارات السعودية في الصين 8.6 مليارات ريال، وفي المقابل بلغت قيمة الاستثمارات الصينية بالمملكة 29 مليار ريال بنهاية العام 2021، لذلك تسعى الرياض إلى مستوى مصالحها مع الجانب الصيني من خلال بناء شراكة استراتيجية تدعم التجارة والاستثمار، وتجعل منها الشريك الاستراتيجي الأول الموثوق للصين في المنطقة، فالسعودية استحوذت على أكثر من 20.3 ٪ من استثمارات الصين في العالم العربي بين العامين 2005 و2020، البالغة 196.9 مليار دولار، إذ جاءت كأكبر الدول العربية استقبالاً للاستثمارات الصينية خلال تلك الفترة بنحو 39.9 مليار دولار.
وعلى مستوى المنطقة، تسعى المنظومة الخليجية إلى إقامة علاقات شراكة استراتيجية شاملة مع الصين؛ بهدف زيادة وتعزيز التعاون بينها ومواجهة التحديات، بما يحقق الأهداف التنموية المشتركة ويخدم المصالح المتبادلة، لذلك يعمل الجانبان على إطلاق خطة العمل المشتركة للحوار الاستراتيجي بينهما بين العامين 2022-2025، لفتح آفاق جديدة وتوسيع مجالات التعاون بين الجانبين، وليس ذاك فحسب بل يسعيان إلى إتمام المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة بينهما في أسرع وقت ممكن، وإقامة منطقة التجارة الحرة الخليجية – الصينية، بغية رفع مستوى تحرير وتسهيل التجارة البينية، وحوكمة المصالح التجارية والاقتصادية للطرفين.
أما “قمة الرياض العربية الصينية للتعاون والتنمية”، فهي باختصار قمة تعاون وشراكة إستراتيجية، وأسهمت في تعزيز دور المملكة كركيزة للأمن والاستقرار بالمنطقة والعالم، ومد جسور التواصل مع الصين، من خلال تنسيق مواقف الجانبين، والخروج بتصور وآليات تفاهم مشتركة وإطلاق ودعم المبادرات النوعية، كما عكس انعقاد القمة حرص القيادات الصينية والعربية على تطوير أوجه التعاون المشترك ومواءمة التوجهات الاستراتيجية للدول العربية مع الصين كثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم.
نتيجة لتأسيس منتدى التعاون العربي – الصيني، والذي انطلقت أعماله في مقر جامعة الدول العربية خلال يناير 2004، شهدت العلاقات العربية – الصينية تطوراً ملحوظاً خلال العقود الماضية، وتعد الصين والدول العربية شركاء طبيعيين للتعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق، حيث وقعت وثائق تعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق مع 19 دولة عربية إضافة إلى جامعة الدول العربية.. دمتم بخير.