أحد أبرز المخاطر التي سلط عليها تقرير Unikom Insights الضوء، هو ما يُعرف بـ«الفجوة الرمزية»، وهي الفارق المتسع بين ما تقوله الجهات الحكومية في خطابها الرسمي، وما يدركه أو يشعر به المواطن في واقعه اليومي، على اعتبار أن هذه الفجوة لا تنشأ فقط من سوء الفهم أو ضعف التعبير، بل غالبًا ما تكون نتاجًا لخطاب لا يعكس الفهم الاجتماعي..
في المشهد السعودي المعاصر، تتقاطع التحولات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى مع تصاعد الرقابة والتفاعل المجتمعي، وتزايد الانتباه الشعبي للخطاب الرسمي؛ ما يجعل السمعة الحكومية مكونًا جوهريًا من مكونات استقرار الجهات الحكومية، وقدرتها على إدارة التغيير، لذا، أضحت “السمعة الاتصالية”، مُرتبطة بردود الفعل على الأزمات، وقياس مدى الجاهزية المسبقة، واتساق السياسات، وشفافية الأداء، والأهم، القدرة على صياغة سرديات وطنية مقنعة تُترجم التحولات إلى لغة يفهمها المواطن ويثق بها.
يكتسب الحديث عن “إدارة السمعة”، بُعدًا استراتيجيًا، لا يُمكن فصله عن صلب كفاءة أداء الجهات الحكومية، وصورتها الرمزية، خاصة مع اقتراب المملكة من دخول المرحلة الثالثة من تنفيذ الرؤية (2026 – 2030)، والتي تتطلب ترسيخ ما تم بناؤه، وحماية ما حُقِّق من تحول، ليس بإبرازه إعلاميًا فقط، بل ببناء منظومة مؤسسية لإدارة السمعة، باعتبارها “ضرورة حتمية قبل أن تكون خيارًا إجرائيًا”.
إن لحظة إصدار تقرير شامل حول الإطار الاستراتيجي لإدارة مخاطر السمعة الاتصالية في قطاعاتنا الحكومية، يعني نقل تفكير هذه الجهات من دائرة الاستجابة إلى فضاء الوقاية، وذلك عبر مجموعة من الآليات المقترحة، أبرزها: الرصد اللحظي للانطباعات العامة، وبناء سرديات مؤسسية عابرة للوزارات والهيئات، وهذه ليست مقترحات تقنية إجرائية، بل تعبير عن تغير عميق في الفهم الأصولي للسمعة، كونها شبكة حيوية تعكس نوعية الأداء، ولها انعكاس مباشر على ترتيب بلادنا في مؤشرات التنافسية الدولية والاستثمار والاستقرار الاجتماعي.
وسط هذا التحوّل، جاء تقرير Unikom Insights (فهم الدوافع) ضمن رؤية سعودية تحليلية، في لحظة بلغ فيها التداخل بين الداخل والخارج، والسرد الواقعي والرقمي، مستويات غير مسبوقة، فضلًا عن كسر النزعة الدعائية في الخطاب الاتصالي، واستبدالها بلغة تتعامل مع السمعة بوصفها “أداة للحوكمة”، لا “وسيلة للتسويق”، وهذه مقاربة شديدة الأهمية، خصوصًا في بيئة مشبعة بالرسائل، ومرتفعة التوقعات المجتمعية.
إن أحد أبرز المخاطر التي سلط عليها التقرير الضوء، هو ما يُعرف بـ”الفجوة الرمزية”، وهي الفارق المتسع بين ما تقوله الجهات الحكومية في خطابها الرسمي، وما يدركه أو يشعر به المواطن في واقعه اليومي، على اعتبار أن هذه الفجوة لا تنشأ فقط من سوء الفهم أو ضعف التعبير، بل غالبًا ما تكون نتاجًا لخطاب لا يعكس الفهم الاجتماعي.
وفي ظل تنامي منصات التعبير الرقمية وسرعة المقارنة بين التصريحات والواقع، تُصبح “الفجوة الرمزية”، تربة خصبة للتأويل، وفقدان الثقة، وتنامي السرديات البديلة، خصوصًا إذا لم تُواجه بخطاب شفاف، ومصداقية اتصالية، وتفاعل فوري، خاصة مع البيئة الرقمية العابرة للحدود، والرقابة المجتمعية، واستمرار التأويل السياسي الخارجي للقرارات المحلية، وكلها عوامل تجعل من إدارة السمعة تحديًا مركبًا لا تحكمه القواعد التقليدية.
بعد قراءتي للتقرير، أتصور أن أهم النقاط الواردة في التقرير، هي التوصية بإنشاء دليل مرجعي وطني للرموز السردية، لتحديد دلالات الصور والخطابات واللغة الرسمية؛ لكون إدارة السمعة، تتطلب تحليل البيانات الثقافية والاجتماعية بالتوازي مع أداء الجهات الحكومية، ومن التوصيات أيضًا، التأكيد على أهمية وحدة خطاب جهاتنا الحكومية العام؛ بغرض حماية الصورة الوطنية، من خلال هندسة السرديات، وقيادة الاستجابة المؤسسية في الأزمات الرمزية، ويرافق ذلك تبنّي مؤشرات كمية ونوعية لقياس الثقة العامة وانطباعات المواطنين، ما يُعدّ خطوة تحول، تمنح صانع القرار قدرة استباقية على قراءة المزاج المجتمعي والتفاعل معه بلغة مدروسة ومنهجية.
ضف إلى السابق، ضرورة تدريب المتحدثين الرسميين على آليات دعم سرديات الجهات الحكومية، بحيث تكون قائمة على أسس معرفية وثقافية، عبر إنشاء وحدات تحليل داخل الوزارات والهيئات، وأهمية الابتعاد عن الخطابات الجاهزة التي تفتقر إلى الحضور العاطفي أو الفهم الحقيقي لمزاجية مجتمعنا، على أن يُستكمل هذا البناء المؤسسي بتصميم نموذج استجابة ثلاثي الأبعاد للأزمات، يدمج الرصد المبكر، والتواصل، وحملات الشفافية، كأدوات فاعلة لضبط المشهد العام والحماية من الفراغ السردي الذي تستغله الحملات الرقمية الموجهة، لتشويه الصورة التنموية الوطنية.
بإيجاز، لا يمكن تأجيل بناء أدوات فاعلة للسمعة؛ لأنها أصبحت أحد أركان رؤية السعودية 2030، والتي لا تقل في أهميتها عن الاقتصاد والاستثمار والتشريعات.. دمتم بخير.
8
سبتمبر